كلنا متهمون

قبل مدة غير بعيدة شاهدت فيلما باليوتوب لكلب يدور حول كلب آخر مستلقي على الأرض في بركة من الدماء على قارعة طريق مزدحم بالسيارات. و كان الكلب المستلقي عديم الحركة أو ميت على ما يبدو بسبب حادث دهس. و هذا شئ طبيعي يحدث كل يوم، لكن ما كان بالفعل لافتا للنظر هو أن الكلب الآخر كان يبدو متوتراً من طريقة حركته حول جثة صاحبه ، رافضاً تركه برغم مخاطر الطريق، و بدت علامات الحزن على وجهه لدرجة أنه بدى لي و كأنه لو كان قادرا على النطق لكان ألف ملحمة نعي على صاحبه!

تذكرت وجه الكلب الحزين و أنا أتفحص بصورة عبدالحميد أباعود (المكني بأبو عمر البلجيكي) في مخيلتي – و شتان ما بين الصورتين. أقول في مخيلتني لأن صورة هذا الشخص، و الذي كان نكرة بالنسبة لي قبل عدة أيام، صارت فجأة مطبوعة في الذاكرة و تكاد لا تبرحها لحظة واحدة. إنها صورة ذاك الشاب البلجيكي من أصول مغربية و الذي تقول التقارير أنه المخطط الرئيسي لإنفجارات باريس في يوم الجمعة/الثالث عشر (و الذي أصرت داعش على ما يبدو أن تجعل منه يوم شؤم كي تتحقق النبوءات الخرافية عنه، تماماً كما تسعى لتقسيم العالم إلى حزب الله و حزب الشيطان لتحقيق نبوءة الإبادة الجماعية و قيام الساعة).

عندما كنا نقوم بعمل مخالف للأدب و نحن صغار كان الكبار يزدرون فعلنا و ينعتونا بالحيوانات. فجمل مثل “يستسلم لشهواته كما الحيوان” و “يا حمارة” مثلاً تعودنا على سماعها من مدرسينا بالمدارس عندما يريدون أن ينعتونا بالدونية و الغباء! و هكذا كبرنا على ثقافة أن الأعمال المشينة هي مرادفة للحيوانات، و التي هي أقل مرتبة منا، و ليس للإنسان الذي ميزه الله بالعقل و الحكمة و الألفة و المودة و الرحمة بينه و بين بني جنسه. لكن بنظرة واحدة للواقع من حولي اليوم، حيث وصل المسلمون فيه للدرك الأسفل من الغباء و البربرية و الجلفة، أجدني في حيرة تجاه مصداقية الكثير من التعاليم الإسلامية التي تربيت عليها و منها هذه المغالطات في تصنيف الإنسان و تعريف الإنسانية. فهذا الشاب، الذي جسد لي معانى بعض الجمل التي كنت أتصارع لفهمها بالسابق (جمل من مثل “الإبتسامة الصفراء” و “القتل بدم بارد”)، لا يبدو لي أكثر رقياً و لا أذكي ولا حتى يملك ذرة من العاطفة عند مقارنتة بالكلب الباكي على بني جنسه! بل العكس تماماً هو صحيح!

و أتساءل: كيف لنا أن نتفاخر بإنسانيتنا و نحن لا نفهم حتى تعريفاً لهذه الكلمة؟ و ليس لدي أي شك بأن هذا الشاب قد مات له صديق واحد على الأقل ممن هم على شاكلته في هذه العملية و غيرها (هذا على إفتراض أنه لا يهتم بالمئة و ثلاثين الآخرين الذين لقوا حتفهم بفرنسا لأنهم بالنسبة له كائنات أتوا من كواكب أخرى)، فكيف يظهر بإبتسامتة الصفراء مفتخراً بعمله كقاتل و هو يجر أشلاء من مثّل بجثثهم من الجيش السوري الحر وراء عربته! أين رقيّه المزعوم؟ و أين عقله؟ أين إنسانيته إن كنا نعتقد أن الإنسانية مرادفة للعقل  و التعقل؟ أين شعوره بالذنب؟ أين العاطفة؟ أو حتى، أين حيوانيته؟ حتى الوحوش أكثر حنانا و عاطفة تجاه نوعها، فكيف نصفه؟ إن كنت عالم أحياء لكنت بالفعل تحيرت في تصنيفه من بين كل الكائنات؟

أيعقل أن توجد كائنات بهذه الدرجة من عدم المبالاة و الدناءة و الكراهية لأخيه الذي هو من نفس نوعه و جنسه و عقيدته؟ كيف ياترى هي العلاقات الإجتماعية بينه و بين بني جلدته؟ هل هناك فسحة للثقة مثلاً؟ و على إفتراض أنه يطبق حرفياً ما تمليه عليه عقيدته بأن “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يحقره…إلخ”، و على إفتراض أنه يعتبر فقط من هم بقاربه مسلمون و الباقي كفار، فهل هذا كافي ليثق أحدهم بالآخر؟ ألم تنقلب القاعدة على داعش و هم نفس الجماعة؟ ألم تحدث المجازر بين داعش و جبهة النصرة بعد أن كانوا إخوة؟ هل صحيح أن الدين بإمكانه أن يسلب الإنسان من إنسانيته و يحوله وحشاً كاسراً بدون أي شعور بالذنب؟

يقول عالم البيولوجيا التطويرية ريتشار داوكنز في كتابه وهم الإلاه، “الدين ليس جذور كل شر، لأنه لا يوجد شئ واحد كجذر لأي شئ”. أي أننا لو أشرنا بإصبع الإتهام للدين وحده فإننا نختزل المشكلة و ننتهي بالدوران في حلقة مفرغة!

هنالك إذاً عدة عوامل؛ سواء إجتماعية أو سياسية، أو إقتصادية، إجتمعت لتخلق المشكلة، و احد هذه العوامل هو العقيدة. لكننا لا نستطيع أن ننكر أنها في أغلب الأحيان تكون هي العامل الأقوى. فبنظرة خاطفة لحياة هذا الشاب فإننا سنلاحظ أنه كان قد ولد و عاش في بيئة راقية (أحد ضواحي بروكسيل) لكنه لم يستطيع أن ينخرط فيها، فهو تربي في حضن عائلة مسلمة ملتزمة دينياً و ترى الإنخراط كلياً بالمجتمع الغربي خطيئة، و هذا بالتأكيد قد أحدث له أزمة هوية. و كأي إبن في سن البلوغ، بدأ هذا الشاب حياته بالإنقلاب على الموروث من ناحية الإنخراط بالملذات من جنس و كحول و حشيش، و من ثم تطرف فعله إلى السرقة و الجريمة، أغلب الضن نكاية بوالدية أولاً ثم ببيئته التي وجد نفسه غريباً فيها. و كانت النتيجة دخوله السجن. و بدل أن يكون السجن عامل إصلاح، صار عامل هدم و وبال على المجتمع. فكما يتم تجنيد أغلب الراديكاليين و خصوصاً في السجون الأوربية حيث بينت الدراسات الكثيرة هذه الحقيقة، فقد قام الملتحون السياسيون و رفقاء السوء بالسجن بإستدراجه (كما تؤكد شقيقته) و ذلك باللعب على وتر الشعور بالذنب، لخلق هوية يستطيع (حسب إعتقاده) أن يتفاخر بها أمام أهله. فكانت النتيجة الطبيعية بعد التوبة هي التطرف بالجهة الأخرى للتكفير عن ذنوبه السابقة.

يقول عالم الفيزياء الشهير ستيفن واينبرغ أن “الدين إهانة للكرامة الإنسانية. فمع الدين أو بدونه، ستجد الناس الخّيرين يقومون بالأعمال الخيّرة و الأشرار يقومون بالأعمال الشريرة. لكن لكي يقوم الإنسان الخيّر بعمل الشر فذلك يتطلب دين.” وعلى الرغم من تعدد العوامل التي تحيل الشباب للإنخراط في سلك الإرهاب، فلاشك أن ما تعطيهم هذه الطمأنينة التي تظهر على وجوههم و هم يتفاخرون بأعمالهم الإجرامية بدون أي شعور و لو قليل بالذنب تجاه الإنسانية هي هذه العقيدة. فالعقيدة تُستَغل هنا للتبرير، و التبرير الديني يعطي شرعية لهذه الأعمال. و مهما إنقسمنا لجماعات و إختلفنا بالآراء في إصرار جماعة منا بأن هذا العمل أو ذاك “ليس من الإسلام في شئ” أو إصرار جماعة أخرى بكون “جذور الإرهاب متأصلة بالعقيدة” فهذا لا يعني أن أحد الجماعتين يملك الفكرة الصحيحة للعقيدة و الأخرى جاهلة بها. بل يعني أن الناس يتخذون من العقيدة ما يناسب أهوائهم الشخصية و ينتقون منها كما ينتقون الكرز. فالمسلم “الكيوت” ينكر كل شئ قبيح في دينه و يبرز ما هو جميل لأن ذلك يناسبه. فهو بالنهاية يريد أن يحيا بسلام و يتعايش مع مجتمعه بدون مشاكل. لكنه بذات الوقت يجهل أنه بعمله هذا إنما يتغاضى عن السبب الرئيسي للمشكلة و بالتالي يفوت فرصة تشخيص المرض لصرف الدواء المناسب. و المسلم الجهادي الذي يرنو إلى الإنتقام من المجتمع و الظروف التي خلقت منه شريراً فهو كالطفل المشاكس، يريد أن يكسر كل شئ أمامه لأن طلباته لم يستجاب لها. و الأخير هو الخامة البدائية الرطبة التي يسهل تشكيلها من قبل مرتزقة الدين الذين يصطادون بالمياه العكرة : و هؤلاء هم رأس الأفعى، كما أن السجون، حيث النفسيات المنهارة، هي أنسب البيئات لإصطياد الفاشلين. و الحالة التي أمامنا اليوم ليست هي الحالة الأولى التي يتخرج منها المجرم متطرفاً دينياً بعد قضائه فترة الحكم بالسجن و لن تكون الأخيرة.

و إن كان هذا الوضع يحدث بأوربا حيث مجال الإلتقاء بالملتحين في السجون أقل، فكيف سيكون الحال بالدول الإسلامية حيث يتعاضد الحكام فيها مع رجال الدين (حسب طائفة الحاكم) في إغراق المجتمع بالدروس الدينية لدرجة الفيضان، على حساب العلوم الحياتية والفنية و الإجتماعية و الإقتصادية، بل و الأخلاقية المعتمدة على حقوق و واجبات المواطنة و أهمية إحترام الإنسان أو حتى الحيوان. بل شر البلية ما يضحك، عندما تجد بهذه الدول القوانين التي  تعمل على تقصير المدة الزمنية للمجرمين في السجون إن هم حفظوا الآيات و الأحاديث و كأن حسن السير و السلوك لا يتم إلا بزيادة الجرعة الدينية!

هؤلاء الحكام هم من يعطي شيوخ الدجل الديني الضوء الأخضر لتعبئة المجتمع تعبئة عقائدية، ليس فقط في حدود دولهم بل حتى عالميا بواسطة الفضائيات  و الشبكات الإليكترونية. و لا عجب إن لعب الكهنة بالماء العكر مستغلين المساحة الشاسعة لهم بالفضاء العالمي لتسميم الرؤوس بالدروس الدينية، الجيد منها و القبيح، و تجنيد شباب المدارس للدخول و الدفاع عن العقيدة لكل من يتجرأ بنقدها، أو نقدهم، حتى لو كان هذا النقد يصب في مصلحة الدين نفسه و ليس إزدراءاً له. كما أنهم هم من يقوم بالتعاون مع رجال الدين بزج المصلحين و غيرهم من المسلمين المعتدلين بالسجون، كما حدث مع إسلام البحيري و رائف بدوي و غيرهم بتهمة إزدراء الأديان لأنهم فقط تجرأوا على النقد البناء!. هؤلاء الحكام هم من قطع نفَس الرأي الآخر و أغرق المجتمع بالرأي الأحادي الذي سجن العقول في القرن السابع عشر.

و بدل أن تقوم الدول الغربية بمحاربة الإرهاب، و الذي غزا عقر دارها، بالضغط على حلفاؤها المسلمين لتشجيع حق التعبير و التعليم الصحيح المبني على الإسلوب النقدي، على أساس أن الأيديولوجية لا يمكن محاربتها إلا بالأيديولوجية المضادة، قامت هذه الدول بالتعاون مع حكام دول العربوإسلامية و رجال دينها، و الذين هم أساس المشكلة، بإستخدام القوة لمحاربة من هم نتاج هذه السياسات الخاطئة للحكام و لا يمثلون لب المشكلة. و من سخرية الأقدار أنه كلما قضت أمريكا، صاحبة الراية الكبرى في هذه الحروب، على أحد الإرهابيين قامت بالتصريح و التفاخر بأنها على وشك الإنتهاء من الإرهاب برمته، غير منتبهةً بأنها خلقت بالواقع بطلاً شهيداً تحتذي بأعماله الجهة المقابلة. و للأسف لم تتعلم أمريكا الدروس، لا في أفغانستان و لا في العراق و لا ليبيا و تكاد تكرر الخطأ ذاته في سوريا! إن الحرب على الإرهاب لا يكون بالقوة، فكما شهدنا بإنفجار ماراثون بوسطن، التخريب لا يحتاج لأجهزة معقدة و جنود مدربين، بل يكفي شخصين عاديين و أدوات بدائية (أو كما يسميه الغرب عملية الذئب الذي يعمل بمفرده) لإلحاق الضرر بمئات الأفراد و تكلفة الدولة ملايين الدولارات!

و على الرغم من عدم قصور المشكلة على العقيدة الدينية، ألا أن زيادة الجرعة الدينية تتسبب في تغذيتها و ليس بحلها. و لا يبدو أن حكام الدول العربوإسلامية مهتمين بشن الحرب على الإرهاب بالصورة الصحيحة، طالما هو جزئياً تحت سيطرتهم بالداخل بسبب تعاقدهم مع رجال الدين و لا يضرهم إنتشاره بخارج حدودهم (على الأقل ليس بالوقت الآني). و لذا فهؤلاء يرضخون للكهنة و الدول الغربية و التي تحرص على الدبلوماسية مع هؤلاء الحكام بسبب مصالح إقتصادية تغض النظر عن ما يحصل من برمجة دينية تؤهل العقول للإرهاب في هذه البلدان على إعتبار أنه شأن داخلي!

فمتى تنتبه الدول الغربية بأنه لم تعد المسألة شأناً داخلياً عندما تفيض تبعاتها عليها بالخارج؟ متى ستضغط على هؤلاء الحكام لكسر هذا التعاقد الأزلي مع رجال الدين و لتغيير سياساتهم تجاه الإنفتاح و حرية الرأي و العقيدة، و هي التي تدرك جيداً أن الإنتقاد هو أساس تقدم أي مجتمع؟ متى ستتوقف عن سياسة المعاملة بالدونية، بحجة أن لكل مجتمع ثقافاته الخاصة به (و كأن البربرية ثقافه مقبولة طالما هي شأن داخلي لهذه الدول العربوإسلامية)؟

و متى يتوقف حكام الدول العربوإسلامية من خداع شعوبهم و إستخدامهم كأكوام القمامة يتسلقون عليها بسلم الدين؟ متى سنشهد العدالة الإجتماعية في مساواة الأراء على مستوى مدارس و إعلام الدولة دون التطرف لرأي و سجن الآخر و جلده؟

و الأهم من ذلك كله: متى سنتوقف كشعوب عن الدفاع عن الأيديولوجية الدينية و تبرئتها من كل ما يحصل بالواقع و إتهام الشباب بأنه “ينقصهم الوعي الديني للإسلام الصحيح” و هم بالواقع غرقى بتعاليم و أساسيات الدين، الخيّر منها و الخبيث؟ متى سنكون مؤهلين و جريئين في الإعتراف بالخطأ، على الأقل فيما يخصنا منه، دون اللجوء لنظريات المؤامرة و إتهام الآخرين بالنيل منا و من ديننا و كأننا شعب الله المختار؟ متى ستُفتح صدورنا للنقد لنستخلص منه الوسيلة لتشخيص المرض بصورة واقعية، حتى لو كان هذا الواقع مراً كالحنظل، لإيجاد الحل لهذا المرض العقائدي قبل أن يحقق المرتزقة ما تنبؤا به من حرب الإبادة قبل قيام الساعة؟

للأسف لا يبدو ذلك قريباً!

غطيني يا صفية!

داعش…الإبن العاق للإخوان و السلف (2)0

تابع البوست الماضي

ماذا تفعل داعش؟

 

الإسلاميون، و بالأخص الإخوان المسلمون، و هم أكبر حركة إسلامية سياسية و أكثرها تنظيماً، يجيدون الإصطياد بالماء العكر و خطف الثورات. فمن الملاحظ أنهم حصدوا جميع ثورات الربيع العربي لصالحهم. هذه الجماعة و جماعة السلف نجحوا بالسابق في توجيه الرأي العام الإسلامي، و خصوصاً بعد تحالف فروع الإخوان بالخليج مع الحكومات الخليجية و لمدة عقود. هذا التحالف الذي فتح لهم الأبواب على مصراعيها، سواء بالتدخل في المناهج الدراسية و بالمساجد و بالإعلام، لتشكيل الثقافة المجتمعية و الفكر الشمولي الموجه. و هذه الحكومات، و خاصة بالكويت حيث مقر البنك الممول لحركة الإخوان، أغدقت عليهم بأموال البترودولار و أعطت فرعهم بالكويت كل السبل لتكوين جمعياتهم الخيرية دون مراقبه منها. و الجيل الكويتي الذي تربى على يد هؤلاء و إنضم لهم كتحصيل حاصل بعد الإستفادة من خدماتهم، أصبح مدللا بعد التخرج فتبوأ أعلى المناصب و صار عاملاً أساسيا في توجيه سياسة البلد

 

 و بهذا صار الإخوان المسلمون ماردا ضخما رأسه في مصر و مركز تمويله بالكويت، و أعضاؤه منتشرون بكل دول العالم، بما في ذلك أمريكا (المفكر الفرنسي من الأصول المصرية طارق رمضان، الذي ينادي بالإسلام الوسطي هو من الإخوان، و رئيس وزراء تركيا رجب طيب أوردوغان و حزبه من الإخوان و غيرهم كثير). و صاروا هؤلاء الذين يشكلون الصف الثاني للقوة بعد الحكومات بمنطقة الشرق الأوسط متفردين في توجيه الفكر الجماعي و الرأي الشمولي فيها؛ فكان من الطبيعي أن يصعدوا للحكم بالديموقراطية الغربية التي كانوا بالأساس يزدرونها قبل أن يكتشفوا أن بإمكانهم إستغلالها، عند خلع رؤساء هذه الحكومات من قبل شعوبها، و هذا ما حصل في تونس و مصر و كان سيحصل بسوريا و جميع الدول العربية لولا عوامل كثيرة تدخلت لمنع إمتداد الربيع العربي. أي أن الإخوان كانوا قاب قوسين أو أدنى للوصول إلى الخلافة

 

و سر قوة هذه الجماعة هو تنظيمها المعتمد على السرية الشديدة. و هذا التنظيم يشبه تنظيم الماسونية بالقرن الرابع عشر و الذي أساسه يعتمد على تشكيل خلايا صغيرة تعمل بصورة إستقلالية بحيث لا يعرف معظمهم عن أفراد الخلية الأخرى. و حتى لو عرفوا فهم ينكرون أية ولاءات لها. فعلى سبيل المثال؛ لطالما أنكر الإخوان المسلمون بالكويت ولائهم لإخوان مصر، لكن كل أقنعتهم سقطت عندما تخبطوا بعد سقوط مرسي. و كذلك حماس لم تعلن أبداً ولائها الأعمى لإخوان مصر، لكن العالم شهد و بكل إستغراب و دهشة كيف أن أول تشابك لحماس مع إسرائيل تم تسويته و بصورة سلسة خلال عدة أيام فقط من تسلم مرسي لمقاليد الحكم عندما تدخلت مصر للصلح بينهما. و هو الأمر الذي إستساغته أمريكا، ضانة و بكل سذاجة أن المشكلة الأزلية بين الفلسطينيين و الإسرائيليين في طريقها للحل تحت راية الإخوان

 

بإكتسابها  فن الإدارة و التنظيم من الإخوان و القاعدة و وحشية التعامل مع الأعداء من البعث و الدروس المكتسبة من التاريخ الإسلامي في جدوى الإرهاب، و بإستغلالها للشبكات و المواقع الإليكترونية و اليوتوب، تمكنت داعش من الإنتشار الإعلامي و كسب المجاهدين و إنضمامهم لها من كل الدول بما في ذلك الدول الغربية، و زرع الهلع في قلوب كل من تغزوهم معتمدة على قوة الشائعات التي خلقت منه غودزيلا لا ينجو أي من يقف في سبيله. فشعارها هو: إزرع الإرهاب بقلوب الناس كي يسهل عليك السيطرة عليهم. فعلوا ذلك عندما إستولوا على الرقة بسوريا، كما فعلوا في الموصل بالعراق حيث قاموا بقتل أكثر من 1500 شخص و ألقوا المئات من الجثث في نهر دجلة بدون أية مراسيم دفن أسلامية  أو غيرها ثم قاموا بتسجيل كل ذلك على أشرطة الفيدو و نشرها باليوتوب ليدب الخوف في قلوب السكان (و هذا ما فعل جيوش صدام بكل من قاوم من الكويتيين إبان الغزو العراقي، حيث مثلوا بجثثهم و رموها أمام منازل الأهالى كي يزرعوا الخوف بالقلوب، و كما فعلوا بالأكراد عندما رشوا قرى بأكملها بالكيماوي). و هنا سيضطر من لا يشاركهم الدين كالمسيحيين و الأزديين الأكراد أو من لا يشاركهم المذهب كالشيعة و العلويين بالفرار تاركين لهم الأراضي و الحلال. أما العرب السنة من الذين يترجون تعاطف داعش كونها تشاركهم المذهب، فكان نصيبهم الإشتراك ببعض الغنائم أو بالأحرى الأموال المسلوبة في البداية، و مساعدتهم بتنظيف آثار الدمار و حفظ أمن المنطقة لفترة لحين أن يتمكن المفترس من الفريسة قبل أن ينقض عليها هي الأخرى بتطبيق قوانين الشريعة التي بها يفرضون سيطرتهم و يشبعون رغباتهم و يغتنون مستندين على النص القرآني و السنة. و ما فتوى إستباحة فروج نساء المنطقة من قبل المجاهدين شرعيا تحت عذر نكاح الجهاد إلا مثال واحد من عدة

 

 و من الأهمية بمكان هو فهم عقلية من يمثلون داعش، أو من خلق فكرة داعش، و ذلك لكي نعرف كيف نتعامل معهم و نتقي شرهم قبل أن يبسطوا نفوذهم على المنطقة و مقدراتها النفطية و بالتالي على العالم

 

فهناك نقطة جذرية يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، و هي أنه حتى تحت المذهب الواحد توجد إختلافات سياسية عديدة بين الأفراد. فالسنة مثلاً لا يشكلون فريق واحد، بل عدة فرق تشكل داعش واحدة منها فقط. و هي و إن كانت لا تختلف بالأساسيات الدينية لكنها تختلف لدرجة التكفير للغير بما يخص العبادات. و إن وضعنا عامل التنافس على السلطة، و هو العامل الأهم في تفكيك الدولة الإسلامية منذ نشوئها و حتى اليوم، نكون قد عرفنا نقطة ضعف داعش. و عكس ذلك، نجد أن نقطة قوة داعش و غيرها من الحركات السياسية الإسلامية يكمن في إتحادها. و لا يوجد شئ أقوى من خلق العدو الخارجي- حتى لو كان وهمياً- لكي يغض الناس النظرعن وحشية داعش و يوجهوا الأنظار و الجهود نحو العدو الخارجي. فالمثل العربي يقول: أنا و أخي على إبن عمي و أنا و إبن عمي على العدو. فالأمور في المجتمعات القبلية و التي تشكل جذور العرب و يشرعها الدين الإسلامي (في أدبيات “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ” ) تقاس ليس بمن يشكل الخطر الحقيقي عليها و على مصالحها و أمنها و إستقرارها، و لكن بمدى قرب أو بعد هذا العدو

 

و دعونا الآن ننظر للأحوال العامة للإخوان المسلمين، الأم الشرعية لداعش، في دول منطقة الشرق الأوسط قبل الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني الأخير. هذه الفترة كانت من أصعب الفترات التي مرت على الجماعة بالمنطقة: فلقد تمت الثورة على مرسي و إزالته من الحكم في مصر، و ثار الثوار على الحكومة الإخوانية في تركيا، و وضعت جماعات الإخوان في الخليج العربي و بالأخص بالكويت، و الذين يمثلون البئر النفطي الذين، عملياً، هم من يمول كل جماعات الإخوان بالعالم، تحت مراقبة حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، و بعضهم تم محاكمته بتهم التخوين في الإمارات. كما تم تجميد بعض مبرات الخير التابعة لهم بالكويت، و هي التي كانوا عن طريقها يمولون الإرهاب لمدة عقود دون أن تتحرك الحكومة الكويتية. و حصل شرخ بين دول مجلس التعاون الخليجي عندما إنقلبت على أحد أعضائها، قطر، و على قناة الجزيرة التابعة رسمياً لحكومتها، و ذلك لدورالأخيرة في دعم ومساندة الإخوان المسلمين. كما إنفصلت داعش إلى خليتين، في سوريا و العراق، تحاربان بعضهما البعض على أحقية كل منهما في منصب الخليفة، بعد أن عين العراقي، أبو بكر البغدادي نفسه خليفة، و أرسل مجاهديه لإبادة أختها حزب النصرة في سوريا، كما تبرأت منها القاعدة بحجة كونها “جماعة تكفيرية” و كأنها هي غير ذلك! و الأهم من ذلك كله أن حماس فقدت التعاطف العربي/الخليجي بعد قتلها الوحشي للمصريين في سيناء قبيل خلع مرسي من الحكم و إنقلاب الشعب المصري عليها كما حصل قبل ذلك بلبنان و العراق و الكويت

 

 

خلاصة الوضع أن هذه الفترة بينت للمسلم المغيب بشعارات “الإسلام هو الحل” خداع الجماعات الإسلامية و إستغلالهم القذر لكل شئ و بالأخص الدين و خطورة تقلدهم للسلطة، و عدم ملائمة الفقه و الشريعة المستنبطة من النص الحرفي، و خصوصاً ما يتعلق منها بشئون المرأة و الرق و معاملة غير المسلمين، لكل زمان

 

شئ واحد فقط بإمكانه توحيد شتات الشارع العربي/الإسلامي ، بمن فيهم الشيعة، مرة أخرى تحت راية الإسلام، كما فطنت حماس، ذراع الإخوان الأيمن، من تجاربها السابقة، و هذا الشيئ هو الحرب المقدسة في فلسطين، حيث وجود العدو التقليدي الخارجي على أراض تعتبر مقدسة لكل الديانات الإبراهيمية. و كل حرب توحيد تاريخية ثبت بالماضي نجاحها عند إثارة النعرة الدينية و خصوصاً إن كان العدو خارجي. فتسمية الحزب بالإخوان لم تأتي عبطاً، و كلما كانت صلة القرابة أكبر كلما زادت العصبية القبلية، و هذه الحقيقة لا تخص الشعوب العربية وحدها، بل هي طبيعة البشر. لكنها تسود بين شعوب و منها الشعوب العربية و تكاد تتنحى بين أخرى. و كل ما كان على حماس فعله هو إثارة هذه النعرة القبلية بالتحرش في إسرائيل، و ذلك لكي تشتت إنتباه الشارع العربي عن الكوارث التي سببها الإسلاميون في العراق و سوريا و تتناسي جراحها من الإخوان المسلمين و حماس بالخصوص، لتركز على موضوع إنساني، لن يتردد أي كان بإعطائه الأولوية، ألا و هو قتل الطفولة، و من يحصد أكثر ضحايا يزيد التعاطف العالمي معه، فكان لابد لحماس أن تتكسب من الوضع القائم بتقديم الأضاحي من أطفال غزة. و هذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها الجماعات الإسلامية بإثارة إسرائيل لتشتيت الإنتباه عن بطشهم و زيادة جيوب شيوخ الدين المرتزقة من التابعين لهم بالبترودولار، لكنها حيلة تنجح في كل مرة، و يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني البائس و أطفاله في كل مرة، مع أن المسرحية صارت معروفة من كثر التكرار. و هذه هي خطواتها:0

 

 إثارة إسرائيل بصورة أو بأخرى مع علم حماس (و كذلك حزب الله) أن إسرائيل سترد الصاع صاعين

 

إستخدام المدنيين و الشعب الأعزل كدروع بشرية. هذا بالإضافة لكون غزة و الضفة الغربية أصلاً مكثفة بالسكان حيث يقوم الشعب الفلسطيني بالتكاثر من أجل تقديم الضحايا للأرض (هذا ليس تبلي عليهم بل موثق في خطب سياسييهم و تصريحات شعوبهم)، و أية منطقة من مناطقها لن تخلو من المدنيين و العزل

 

نشر صور الضحايا المدنيين (و خصوصاً) الأطفال، كبروباغاندا إعلامية لكسب التعاطف العالمي، و إحراج العرب/المسلمون

 

 ثم الوصول لإتفاق بوقف تراشق النيران من الجهتين بعد ملئ جيوب رؤساء حماس بأموال البترودولار و ذلك عن طريق المبرات الخيرية الشعبية و لي أذرع حكام الخليج

 

و في كل مرة تقع إسرائيل في المصيدة بقيامها بالرد العنيف على كل إثارة من قبل الإسلاميين. و يكسب الشعب الفلسطيني التأييد الشعبي، كما يقوم حكام الخليج بفتح قنواتهم المالية لحماس… إلا هذه المرة

 

فعلى الرغم من نجاح حماس بتجييش الرفض العالمي ضد وحشية الرد الإسرائيلي و كسب التعاطف الإعلامي لمدنيي و أطفال غزة، و كسب تأييد المذاهب الإسلامية المختلفة لها، لكن الشارع العربي الذي تعود على حيل الإخوان بدا متناقض المشاعر حيال غزة هذه المرة، و خصوصاً في مصر و العراق و سوريا و دول الخليج العربي. فشعوب هذه الدول هم أكثر من إكتوى بنار الإخوان، و يعرفون تماما كيف تتحايل حماس و بكل الطرق لتحرج حكومات و شعوب المنطقة و تلوى أذرعتهم، ليس من أجل الأرض المقدسة و لا من أجل الأرواح البريئة التي تتسبب هي بقتلها قبل غيرها، بل لتملئ جيوب كبار شيوخ الإخوان بالأموال بعد أن تجبر حكام المنطقة على ذلك عندما تضعهم بموقف محرج. لكن حماس لم تحسب أن ردة الفعل هذه المرة ستكون مختلفة، و هذه الردة العكسية تجلت و بصورة واضحة بخطاب الملك عبدالله، ملك المملكة العربية السعودية، بأواخر رمضان 2014 و في عز الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني. فالملك أدان فعل الإسلاميين و وصمهم بالعار على الإسلام، و عكس ما كان متوقعا، لم يذكر إسم إسرائيل أو حماس بخطابه و لا حتى بالإشارة، على الرغم من كون الصراع الأخير و أطفال غزة شكلوا الحيز الأكبر من الإعلام العالمي وقتها. فالملك لابد أنه تعلم أن ما تحاول حماس عملة هو بتحييد الأنظار عن وحشية أختها داعش و إعادة كسب الثقة بالإسلاميين و خصوصاً بعد تبري الإخوان منهم،و لابد أن ذلك شكل خيبة أمل شديدة للإخوان و الذين كانوا يتوسمون إعادة الثقة بهم عن طريق حماس، لكن الملك لم يكن الوحيد الذي قال “لا” للإخوان، فهناك أيضا مصر، و رئيسها السيسي الذي لم يتحرك قيد إنملة تحت الضغط العالمي عليه، و لم يفتح رفح للجوء المدنيين، بل و الأدهى من ذلك رفض حتى الدخول بأية تسوية تكون حماس أحد أطرافها

 

و بنفس الوقت واصلت كل من داعش السورية و العراقية أطماعهما التوسعية، غير مبالية بحماس و الإخوان فدب الرعب في قلب جماعة الإخوان المسلمين لخوفهما من إنقلاب السحر على الساحر. فصارت تركيا و التي كانت تغض الطرف عن داعش و تعارض التدخل الأجنبي بالمنطقة، تعاتب أمريكا على سكوتها. و كذلك فعلت قناة الجزيرة، و هي التي كانت أول من صلبت حكام دول الخليج و شعوبها و وصمتهم بأقبح صفات الخيانة و العهر لإستعانتهم بأمريكا في حرب تحرير الكويت!0

 

هنالك درس تاريخي واحد على الأقل ممكن أن نستنتجه من كل ما سبق و هذا الدرس يتمثل في ترك الجماعات الإسلامية لمواجهة بعضها البعض و عدم التدخل المباشر من قبل الدول الغربية في شئونها الداخلية. فهذه الجماعات يميزها الحقد و الكره التاريخي بينها، و إن تركت في مواجهة بعضها البعض فهي حتماً ستشتت بحروب إبادة، قد تطول لمدة سنوات لكن بالآخر سيصل شعوبها إلى القناعة بالعلمانية و الديموقراطية المبنية على الأساس العلماني في عدم السماح للدين و شيوخه بالتدخل في شئون الدولة السياسية و الإجتماعية و الإعلامية و التربوية و سيفقه الشارع أهمية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب للوصول إلى العدالة الإجتماعية التي تحفظ حقوق المواطنين بغض النظر عن ديانتهم أو إثنيتهم أو جنسهم. فهذه المبادئ لا تلقن من الغير و لا يمكن للغرب، و الذي تعلمها بعد تجربة حروب دينية دموية قاسية دامت أكثر من ثلاثون سنة، أن يفرضها على المنطقة. فها هي الديموقراطية تفشل في كل من فلسطين و العراق و مصر عندما فرضها الغرب بسبب قصر النظر الشعبي لخطورتها عندما تطبق على أسس غير علمانية. الديمقراطية العلمانية تكون بعدم السماح للأحزاب الدينية بالإشتراك بالسياسة، فمكان شيوخ الدين هو المسجد و المعبد و الكنيسة و ليس الحكومة و المدارس الحكومية و وسائل الإعلام الرسمى، كما أن مكان الطبيب هو المستشفى و ليس كراجات السيارات. و البرمجة الدينية في الوقت الحالي هي الطاغية على العقلية الحالية لهذه الشعوب العربية و ذلك لسيطرة الإسلاميين على الفكر الشمولي للشارع، و أيه فرصة للإختيار الديموقراطي سيكون منحازا بطبيعته لرجال الدين لكونهم يمثلون كلمة الله في مقابل كلمة البشر، و طبيعي أن تكون كلمة الله هي العليا، و الأخطر من ذلك كله هو إدراك الغرب أن أي تدخل خارجي له ردة عكسية عليها متمثلة بإتحاد جميع هذه القوى ضد العدو الخارجي و هذا سيشكل وبالا على شعوب المنطقة على المدى البعيد

 

الديموقراطية و العلمانية أمور تكتسب و تغرس كقناعات و لا توهب و لا تفرض من قبل الغير، و إلا فإنها ستشكل قوى تُسْتَغَل، كما تُسْتَغَل النصوص الدينية، في القضاء على نفسها بنفسها، و ستظل المنطقة تدور في دائرة العسكر و الحرامية و يتوارثها الدكتاتوريون سواء لبسوا البدلة المدنية أو العسكرية أو العمامة الدينية. الدولة المدنية تحتاج لإدارة مدنية علمانية مبنية على أسس الإدارة الحديثة المستقاة من تجارب البشر و ليس “بالفهلوة و لي الذراع” و لا بنصوص بالية، و إن كانت صالحة لزمنها، و على دستور علماني أساسه العدالة الإجتماعية يضعه الشعب بنفسه معتمداً على كل التجارب الإنسانية و ليس مفصلاً على دين أو إثنية أو مذهب. فالإنسان هو الإنسان أينما كان. و حتى تفهم الشعوب المنكوبة معنى ذلك فعليها أولاً أن تكتوي بنار الجماعات الإسلامية بالتجربة و الحروب و التضحيات فتغير الخطاب الديني عندما تقتنع بعدم جدوي الإعتماد على النصوص الدينية حرفياً و الإصرار على تطبيقها و فرضها في القرن الواحد و العشرين، لا بالسياسة و لا بالإعلام الموجه و لا بالمناهج الدراسية

إنتهى

داعش…الإبن العاق للإخوان و السلف (1)0

 داعش هو تصغير لإسم الدولة الإسلامية في العراق و الشام. و الشام هو إسم كان يطلق قديما على سوريا و لبنان و إسرائيل/فلسطين  و الأردن و قبرص. أما حاليا فهو يطلق على سوريا فقط. 0

من هي داعش؟

داعش عبارة عن جماعتين من الطائفة السنية التكفيرية، إنفصلتا عن أمهما القاعدة بعد قيام الحرب الأهلية بسوريا و إنتشار الفوضى التي تلتها، و شكلتا بإتحادهما قوة واحدة يجمعها أيديولوجية فكرية أساسها التمسك الحرفي بالنص الديني و   هدفها إعادة تكوين الخلافة الإسلامية و نظام الإمبراطوريات البائدة و من ثم السير على نهج السلف في غزو العالم إستكمالاً لل “الفتوحات الإسلامية” لنشر الدين الإسلامي بالسيف و الإرهاب.0

فمنذ أنحلال الإمبراطورية العثمانية في 1923 و تقسيمها برسم الحدود لدويلات أصغر من قبل الإمبريالية العالمية و وضع قوانين المواطنة لكل منها بعد أن كان أغلبها أرض واحدة تشمل قبائل لها كامل حرية التنقل فيما بينها، تاقت الشعوب العربية و الإسلامية و كذلك سياسيو المنطقة الطامعون بالسلطة لإعادة الإمبراطورية تحت راية قومية تجمع شعوبها، مستغلة كل فرصة لتكوين قوى عظمى. و خلال هذه المحاولات ظهرت على السطح أكبر أيديولوجيتين على مستوى المنطقة، أحدها كانت القومية العربية، و هي حركة تنادي بالوحدة للشعوب التي يتكلم سكانها اللغة العربية من شمال أفريقيا و غرب أسيا، و المحيط الأطلسي إلى بحر العرب. هذه الحركة كسبت تأيداً شعبيا بصورة فاقت كل التوقعات في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي بين العرب. و الحركة الآخرى كانت حركة الإخوان المسلمون، و هي حركة سياسية دينية ذات إدارة ماسونية سرية، لم يكن لها بالبداية نفس تأثير القوميون بالشعوب العربية، مع أنها ظهرت قبلها في عام 1928

 

و ظهر بالأفق أيضاً عدة حركات  أخرى أصغر بالمقارنة و أكثر محدودية. أحدها حركة أو حزب البعث العربي الإشتراكي، الذي تأسس في 1947 على يد ميشيل عفلق و صلاح الدين البيطارتحت شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالده و تحت أهداف تتركز في “وحدة، حرية إشتراكية” و كانت حركة تجسد الوحدة العربية و التحرر من الإستعمار و الإمبريالية. لكن هذا الحزب لم يكن له أن ينتشر خارج حدود العراق و سوريا، و خصوصاً لكونه تميز بالطريقة الوحشية بالتعامل مع أعدائه، و تاريخه فائض بالإغتيالات الدموية السياسية. و الحركة الأخرى كانت الحركة الوهابية (معروفين كذلك بالسلفية)، و هي حركة راديكالية تتقيد بالنص القرآني الحرفي و تفسير إبن تيمية (1263-1328) . قامت على يد الجهادي المتطرف محمد عبدالوهاب في القرن الثامن عشر، و الذي كان يريد من خلالها توحيد المسلمين و إرجاع الخلافة الإسلامية و فرض المذهب السلفي بإبادة كل من يخالفها. لكن عندما لم يكتب للحركة الإنتشار ظلت محدودة بجزيرة العرب، و خصوصاً بعد تحالف محمد عبدالوهاب و محمد بن سعود، أول ملك للعربية السعودية، على أن يفرض عبدالوهاب الفقه الحنبلي و طريق السلف في التخلص من البدع و الخرافات (كل ما هو حديث بالمجتمع) و نبذ الشرك في مقابل أن يستمر الملك في ذرية بن سعود. و نتج عن هذا التحالف ميلاد الدولة الملكية بجزيرة العرب و تم تسميتها بإسم عائلة بني سعود.0

 

كل هذه الأيديولوجيات حملت كرها طبيعيا للإستعمار و الإمبريالية، و لاحقا للرأسمالية. أو بمعنى أخر، كل ما يمثله العالم الغربي. و مع أفول نجم القومية العربية التي لم يكتب لها الإستمرار طويلا، و خصوصاً بعد الغزوالعراقي للكويت و إنقسام الشارع العربي، إزدهرت الحركة الإسلامية، و الأسباب كثيرة، لكن ما يهمنا هنا هو سبب جوهري يتلخص في تحالف حكام الدول النفطية مع الإسلاميين، ليس بسبب ورع هؤلاء الحكام، لكن خوفاً على مراكزهم من المد العربي القومي. فالإسلاميين كانوا وسيلة هؤلاء الحكام لوقف المد القومي، لأنهم يعلمون بأن الأيديولوجية لا تحارب إلا بالأيديولوجية. و هذا التحالف ظهر واضحاً عندما حضنت الحكومات الخليجية فوج من الإخوان المسلمين المطرودين من مصر بعهد الرئيس جمال عبدالناصر الذي أراد أن يتخلص من منافسيه فحاربهم بشراسة، فقتل البعض و ألقى بالبعض في السجون و لاذ البعض الآخر بالفرار. هذه الحكومات و بأمر من حكامها لم تكتفي بإعطاء الإخوان المسلمين المال و المأوى، بل فتحت لهم كل مؤسسات الدولة التعليمية و التثقيفية و المالية و الوقفية بدون رقابة. فكبروا و كونوا قوة الصف الثاني بهذه البلاد، تنافس قوة التجار فيها

 

لكن لحين قيام الحرب الأفغانية ضد الإتحاد السوفييتي، ظلت قوة الإسلاميون بالمنطقة من الإخوان المسلمين، و الوهابيين تحت السيطرة، و خصوصاً لأن الفريقان يعتبران أنفسهما متنافسين تقليديين من حيث الأيديولوجية الدينية السنية. و لو تركا لوحدهما لفتكا ببعضهما البعض. لكن الحرب في أفغانستان وحدتهما تحت راية واحدة ضد عدو مشترك لاشك لديهم في كفره. فإجتمع الإخواني أيمن الظواهري مع الوهابي أسامة بن لادن و شكلا قوة قامت أمريكا بتسليحها و تدريبها، و الدول الخليجية بتمويلها، و جميع العرب و المسلمون شاركوا بالمجاهدين

 

هنالك مثل يقول بأن العدو الذكي خير من الصديق الغبي. و عندما قامت أمريكا بإستغلال الشعوب الإسلامية للعب دور البروكسي بين القوتين العظمتين وقتها، و جهزت المجاهدين من العرب و المسلمين بمساعدة من حكام الخليج و تبرعات الأهالي للحرب على روسيا الكافرة بأفغانستان، لم تكن أمريكا و الحكام العرب و لا حتى الشعوب المسالمة يدركون أنهم بفعلتهم تلك إنما يخلقون فرانكنشتاين الذي سيرجع عليهم بالخراب و الدمار. فلأول مرة بالتاريخ الإسلامي تتحد جبهتا الإخوان المسلمون و الوهابيون أمام عدو خارجي مشترك، و تحاربان جنباً إلى جنب كمجاهدين، يملكون القوة و المال و العتد و العتاد و يتمتعون بالتأييد العالمي. فإذا كان بإمكان هذه القوة المستحدثة بأن تهدم هيكل الإتحاد السوفييتي و تحوله إلى دويلات في عام 1991، فما الذي سيمنعها من بلوغ حلمها في إرجاع الخلافة الإسلامية و خصوصا بعد أن حصلت على العذر الشرعي من نصوص الدين الإسلامي لمحاربة الغرب و حكام الدول النفطية عندما سمحت الأخيرة بإقامة القواعد الأجنبية على أرض الجزيرة العربية في حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت ؟

 

هؤلاء المجاهدون المجهزون إتحدوا مرة أخرى على محاربة الغرب الكافر المتمثل بأمريكا، و التي صارت هي القوة العظمى الوحيدة العائقة لبلوغهم الخلافة الإسلامية، و ذلك بعد رجوع بعضهم لبلدانهم الأصلية و تكوين الخلايا المحلية على نهج السياسة الإخوانية و هجرة البعض الآخر للدول الغربية التي أعطتهم لجوءاً سياسياً و معونات إجتماعية بعد أن لفضتهم دولهم الأصلية خوفاً من تطرفهم، و فتح لهم ملك السعودية المدارس و المساجد بالدول الغربية ليشغلهم بالوعظ و يكفي نفسه و بلادة من شرهم، فقاموا بدورهم بتشكيل خلاياهم. و بهذا الإتحاد تم الإيذان بميلاد القاعدة، بإدارة إخوانية و فكر وهابي سلفي متمثلاً بشخصية أيمن الظواهري و بن لادن. هذه القوة صار رأسها في أفغانستان و باكستان و خلاياها في جميع الدول العربية والإسلامية و الغربية (الشباب في الصومال، بوكوحرام في نيجيريا، النصرة في سوريا كلها أمثلة لهذه الخلايا). و زاد قوة هذه الخلايا، خصوصاً بعد نهاية حرب الخليج الثانية لإنضمام أفراد من مسلمي جيش صدام البعثي السنى المنهزم للقاعدة. فجيش صدام الذي كان قوامة 100 ألف جندي وجد نفسه فجأة بلا عمل و لا مأوى بعد ثمان سنوات من الحرب العراقية/الإيرانية و إحتلال الكويت، فكان من السهل على القاعدة أن يستدرج السنة منهم لصفوفه و يساعدهم في إستعادة السلطة بالعراق بعد تفرد الشيعة بالحكم، و رد الصاع صاعين للغرب الذي شردهم، و كانت الفرصة مواتية، و خصوصاً بعد قيام الحرب الأهلية في سوريا و إنظمام بعض سوريي القاعدة التابعين للخلية العراقية في سلك المجاهدين بخلية النصرة التابعة للقاعدة ضد الثوار في سوريا و ضد العلويين

 

و بيئة الفوضى في سوريا هيئت لتشكيل داعش لطمع أفراد الخليتين بالإستفراد بالسلطة و الإستغناء عن القاعدة بعد حصولهم على القوة بالإستيلاء على الرقة و تحويلها عاصمة للدولة الإسلامية و بنهب الأموال من الموصل و التي بلغت أكثر من 500 مليون دينار . و مما ساعد على هذا الإتحاد هو كون الخلية العراقية و الخلية السورية تشتركان طبيعيا بجذور الأيديولوجية البعثية و طريقتها الدموية في التخلص من أعدائها. و عندما أحست داعش بالإكتفاء الذاتي قامت بالإنفصال عن القاعدة لتشكل قوة جديدة تستغل الدين و تعاليم الشريعة على النهج الحنبلي لتستعبد الشعوب و تغيبها لكي تستحوذ على السلطة و تبدأ منها إمبراطوريتها، متخذه لنفسها إسم داعش، و مؤخراً: الدولة الإسلامية فقط. فالهدف بالنهاية لم يكن توحيد العراق و الشام بل الإستفراد بالسلطة و إعادة الخلافة الإسلامية و جمع كل دول العالم تحت راية الخليفة السلطان

لماذا نجحت هذه الحركات؟

اليوم نرى أعلام داعش تملأ الشوارع في كل بلاد العالم، و شارات رابعة التي تمثل الإخوان المسلمين بمصر يكاد لا يخلو منها موقع بالنت، و لازالت صور صدام حسين ترتفع في بعض المظاهرات و قبلها صور جمال عبدالناصر و عبدالكريم قاسم، فما الذي يعطي هذه الرموز القوة الجماهيرية الشعبية مع أن الأغلبية يعلمون أن غالبية هؤلاء إستغلوا الإنتماء القومي و الديني الطبيعي عند الأفراد ليحققوا  أجندات سياسية و مالية؟

 

هناك عدة أسباب بنظري، و أحد هذه الأسباب و قد يكون أهمها هو أن الشعب الإسلامي و العربي يتميز بالثقافة التوتاليتيرية المكتسبة على مدى عقود، بالأخص من الدين الإسلامي المستند على الثقافة البدوية. و التاريخ الدموي، سواء كان ذلك بفترة الفتوحات الإسلامية أو الإستعمار صقل هذه الثقافة و أكسب المسلمون جلفة غير طبيعية و لا إنسانية (مثال ذلك ترفع الإعلام الغربي عن نشر صور الجثث بينما يعج الإعلام الإسلامي بها). فأصبحت مفاهيم مثل الفردية تخيف أغلبية من يعيشون بهذه المجتمعات، و حرية الفكر يعتبر كفر، و الحرية بصورة عامة مصطلح له تعريف يختلف عن المفهوم العالمي، فيعتبره البعض فلتان و كسر القوانين. بل أن الرأي الشخصي أصبح خيانه و خروج عن الملة. أما الحقوق الإنسانية و التي حارب الغرب سنينا طوال لكي يكتسبها، و تبنتها أغلب دول العالم، فعند المسلمين معكوسة بمفاهيمها بصورة حدث و لا حرج؛ فسلب المرأة لحقوقها كإنسان و ليس كمواطن درجة ثانية تحت قوانين دولة الشريعة الإسلامية صار تكريم لها، و التضحية بالدنيا من أجل وعد بحياة أخرى صار نبلاً و شهامة، و قتل النفس في سبيل قطعة أرض صار شهادة و مروءة و الأمثلة لا تعد و لا تحصى

 

تعاليم الدين و التاريخ الدموي صنعت من هذه الشعوب أفراد تعيسة لدرجة الملل، أستغلالية لدرجة الرهبة، يسود بينها ثقافة الموت و تعتبره فضيلة، تتوالد و تتكاثرفي سبيل التضحية كدروع بشرية يستغلها المرتزقة من شيوخ الدين في نمو ثرواتهم و بسط سيطرتهم، و لا يحركها صور الجثث إلا إذا كان القاتل عدو خارجي، بل عندئذٍ لا تتوانى في نشر هذه الصور المفزعة للكسب الإعلامي. هذه الشعوب يلعب بها و يستغلها و يوجهها كل من لديه حيلة، و خصوصاً إن كانت دينية. و يحركها صورة البطل المنقذ فتصنع من الإرهابي ليس فقط بطلاً مغواراً بل رمزاً و صنماً. و المرتزقه يعرفون جيداً من أين تؤكل الكتف، و لا عجب عندئذ إن تحول الفاسق-بالمفهوم الإسلامي للفسوق-أبو بكر البغدادي، البعثي سابقاً، إلى خليفة للمسلمين، يمجده أتباعه و يعتبرونه المنقذ. كل ما كان عليه أن يفعله هو تربية لحية و لبس جبة و الصعود على المنبر تحت راية لا إلاه إلا الله حتى يقنع الآخرين بضرورة الإنحناء تحت جبته، لأنه يتحدث بإسم الله، و هم عبيد الله

يتبع

هوس الأغلبية بالطاقة الكونية (3)0

تابع ما مضى :0

أما تعادل تقطيب الجسم (بصورة عامة) فهو يتم بالغذاء المتوازن للحصول على نسبة و تناسب بين كمية البوتاسيوم و الصوديوم بالجسم و ليس بحركة يد أو إسورة نحاسية

 التفكر هو عملية معقدة يقوم بها المخ كوظيفة، و هو نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسي (أي موجات من الطاقة التي تسافر بسرعة الضوء). و الفرق بينها و بين أي موجات كهرومغناطيسية أخرى هو التردد، أو طول الموجة. أما قوة تردده فهي ضعيفة جداً بحيث لا يمكن قياسها على بعد قدم واحد خارج الجسم* (قارن ذلك بعملية رصد النجوم من خلال قياس موجاتها الرادوية). و هو و إن كان ليس كائناً مادياً ألا أنه يعتمد و بصورة حتمية على عضو مادي، و عمله محصور بالجسم الذي يخدمه. و عليه فإرسال الموجات الفكرية بالتلاباثي و التحكم بالطاقة الكونية من خلال الموجات الذهنية لا يحصل إلا في أفلام الخيال العلمي.

يقول البعض بأنه حتى لو لم تنفع البوصلة في إثبات طاقة الجسم فهنالك أجهزة مثل تلك التي تستخدم في الكشف عن الكذب تعطينا مؤشرات بوجود هذه الطاقة الواعية التي تصدر عن الجسم عند الإستجواب.

و هذا الكلام غير دقيق، فالأجهزة التي كانت تستخدم للكشف عن الكذب، و أشهر أنواعها البوليغراف، تعتمد على قياس ضربات القلب و ضغط الدم و التعرق عندما يكون الشخص معرض للإثارة النفسية بالإستجواب. فالجهاز العصبي في هذه الحالة يرسل شارات للغدد لتقوم الأخيرة بفرز الهرمونات بالدم، و تعمل عندها الهرمونات على زيادة ضغط الدم و الذي يصاحبه زيادة ضربات القلب و التعرق. أي أن العملية برمتها فيزيولوجية محلية و لا توجد طاقة واعية تصَدر لخارج الجسم. هذا مع العلم بأن المحاكم الأمريكية كانت قد توقفت و بأمر من المحكمة الكلية في عام 1998 من إستخدام هذه الأجهزة للدلالة على الكذب لأنها “غير دقيقة”. فهي تعتمد على خبرة من يقوم بالقياس و كذلك على درجة تأثر كل إنسان بالإستجواب (بينت الدراسات** بهذا المجال بأن هنالك الكثيرين ممن يصاب بالهلع من الإستجواب حتى لو كان بريئاً، و على عكس ذلك هنالك من لا يتأثر بتاتاً حتى لو كان مجرماً،  فتظهر النتيجة عكسية)، فهذه عوامل بالنهاية ليست ثابتة لكي يستند عليها.

و هناك من يقول بأن عدم وجود أجهزة قياس لا ينفي وجود هذه الطاقة الكونية لأن المشكلة هي في قصور العلم. و هذا بعيد جداً عن الحقيقة، فالعلم الذي بإمكانه اليوم أن يرصد كويكبات بالسماء و يحيد من إتجاهها إن كانت في مجال الإصطدام بالأرض ليس من الصعب عليه أن يخترع جهاز لقياس طاقة تصدر من الجسم للخارج إن كانت هذه الطاقة بالفعل موجودة. لكن المشكلة أن مثل هذه الطاقة لا يوجد حتى أساس نظري على وجودها و لا تعريف علمي لها، مع أنها معروفة منذ آلاف السنين و يعتمد عليها أغلب سكان الأرض في تكوين نظرتهم العالمية، و في تشكيل أبجديات لغتهم على شيئ غير مفهوم

أما عن معلم الريكي، فهو يعتمد على حرارة الجسم في التمويه، و حرارة الجسم كما ذكرنا قيمة موضعية لا تتحول إلى قوة كهرومغناطيسية مؤثرة كالجاذبية الأرضية بالتركيز مع حركة اليد بالقرب من الجسم، و إلا كانت النجوم ستصبح في حالة فوضى عند كل تحريكة يد

تقول إحدى معلمات الريكي: عندما أحرك يدي بمجال هالات جسم المريض فأنا بالواقع أبحث عن مناطق الحرارة المركزة، أو البرودة غير عادية، أو طاقة طاردة، أو طاقة متمركزة، أو طاقة ممغنطة، أو الإحساس بدغدغة، أو طاقة تجذب يدي لتلك المنطقة. عندها أعلم أن هذه المنطقة تحتاج لطاقة الريكي و تعادل الشي

chi

للمريض

الأن لاحظ بأن كلمات مثل “هالات”، “طاقة ريكي”، و “شي” ليس لها تعاريف علمية. أما الحرارة المركزة و البرودة غير العادية فهذا أيضاً علمياً لا تعنى شئ لأن حرارة الجسم واحدة و إن كان بها بعض الإرتفاع فنستطيع أن نقيس ذلك بدقة بإستخدام مقياس الحرارة أي الثرموميتر. أما “طاقة متمركزة” و “طاقة ممغنطة” و كذلك “طاقة جذب اليد للمنطقة العليلة” هو أقرب لعمل طبيب الشامان و السحرة من أن يكون علماً يليق بالقرن الواحد و العشرين

و لكن ما هو سر تصديق الناس لهذه الخزعبلات؟ و كيف لشعب كالشعب الأمريكي و الذي وصل علماؤه للتبحر بالكون و فك أسرار الذرة بأن يكون من أكثر شعوب العالم سذاجة أمام هذا “السحر الشرقي”؟ فالكثيرين من أمثال الهندي ديباك شوبرا و الذي كان سيكون مجهولاً لو بقي في بلده بين الملايين ممن يرَقصون الثعابيين و يتحدثون مع الأموات، أصبح أشهر من نار على علم و كوّن الملايين من الدولارات بسبب بيع هذا الوهم للسذج. و للأسف تجد المشاهير و من يعتبرون من الطبقة المثقفة من أمثال أوبرا ونفري و غيرها هم من يتبنونهم  و يشاركون في نشر علم الجلاجلا. و هناك شركات تصدرأفلام وثائقية، إشترك بها علماء و متخصصين، مثل

The Secret  و What the Bleep do we Know

 وغيرها من التي وصلت مبيعاتها أرقاما خيالية، ليس لأنها تطرح مادة علمية مفيدة، بل لأنها تبيع ما يريد الناس أن يصدقوا، و هو أن هنالك شئ آخر خلف هذه الطبيعة أو ما يسمى بالميتافيزيقيا (هل يختلف هذا الفكر عن فكر من يؤمنون بنظريات المؤامرة؟)0

قالت لي: لو لم يكن هذا علماً حقيقياً لكان إندثر من آلاف السنين

فقلت لها: لو كان “علماً” نافعاً لما تطور الطب الحديث كبديل

فقالت: ألا يدل شفاء الكثيرين من أمراض مستعصية على الطب الحديث، كالسرطان و غيره دليلاً كافياً على تفوق الطب الشرقي البديل بالعلاج بالطاقة؟

فأجبتها: لو كانت هذه المعلومات صحيحة لكان إرتفع معدل عمر الإنسان في تلك الأزمنة الغابرة و قبل التطور في علوم الطب، و لما كان الشخص يعتبر بإرذل العمر في سن الثلاثين منذ قرنين ماضيين فقط. و من يدرى، فشخص مثل ستيف جوبز كان ممكن أن يكون حياً اليوم لو أنه كان لجأ إلى الطب الحديث عند إكتشافه لمرضه بدلاً من اللجوء “للطب البديل”0

فقالت: ما هو إذا تفسيرك براحة المريض بعد جلسة ريكي أو راجا يوغا

فرددت عليها قائلة: بلاسيبو

placebo

، أي أن الراحة النفسية تؤثر على فيزيولوجية الإنسان فيشعر بأنه معافى لفترة من الزمن مع أن المرض لازال متمكن بجسمه. (مثل ذلك كمثل بلع حبة سكر ضناً بأنها بانادول فترتخي أعصاب المريض و لا يشعر بالصداع، لكن ذلك لا يزيل المرض الأساسي الذي سبب الصداع)0

فقالت: طالما هو غير ضار و يعمل على راحة المريض فلماذا نعكر المياه، لندع من يريد أن يعتقد ما يريد أن يعتقد حتى لو كان غير مستند إلى أساس علمي صحيح

و عندها سكت.

المحادثة السابقة كانت مع إحدى الصديقات، و هي إنسانة جداً مثقفة و تعمل مدرسة في إحدى الثانويات الأمريكية! أما صديقتي المهندسة الكويتية فلقد أهدتني منذ فترة قصيرة كتاب لديباك شوبراً تقول عن مزاياه ما لم يقله مالك بالخمر.

* http://www.nebraskamed.com/neuro/meg-center

** https://antipolygraph.org/articles/article-018.shtml

هوس الأغلبية بالطاقة الكونية (2)0

“التعريف العلمي للطاقة هو “القدرة على عمل شغل ما

  أي أنها قيمة قياسية تفيد في معرفة قابلية الجسم أو قدرته على بذل شغل. و وحدة قياس الطاقة هي الجول

و لا ينفع أن نقول طاقة و نسكت لأن هنالك عدة أشكال للطاقة: فالطاقة ممكن أن تكون حرارية، أو طاقة كيميائية، أو طاقة إشعاعية، أو طاقة نووية، أو طاقة كهرومغناطيسية، أو طاقة حركية أو كامنة، أو طاقة كهربائية أو حتى طاقة مظلمه

و الطاقة بأغلب أنواعها تتجدد لكنها لا تستحدث من العدم، بل هي جزء من طبيعة الأشياء بالكون. و هي ممكن أن تتحول من شكل لآخر كما يحدث عند تحويل الطاقة الحركية للمياه الجارية إلى طاقة كهربائية بإستخدام التوربينات. أو تحويل الطاقة الكيميائية في البطارية إلى طاقة كهربائية، أو تحويل الطاقة الشمسية (حرارية) إلى طاقة كهربائية، أو تحويل الطاقة الكيميائية (بوجود الغذاء و الأكسجين) في خلايا الجسم الحي إلى طاقة كامنة (تقاس بالسعرات الحرارية) تساعده في القيام بوظائفه الحيوية و بعملية التمثيل الغذائي

Metabolism.

و لا يوجد تعريف علمي للطاقة الكونية. أي أننا لا نعرف ما هو المقصود بالطاقة الكونية. فهل المقصود هو قوة الجاذبية النيوتونية (نسبة لنيوتن) أم هو كل ما سبق من أشكال الطاقة أعلاه

أما مجال الطاقة فهو بالصورة المذكورة أعلاه يعتبر أيضاً مصطلح مبهم. صحيح أن كل أشكال الطاقة لها مجالات لكنها مجالات محدودة تعتمد على شكل هذه الطاقة. و حتى نفهم معنى هذا الكلام لنعرّف المجال الكهربائي

المجال الكهربائي يعرف بكونه ” إنتشار القوى بكميات و إتجاهات تمتد على مساحة الشحنات الكهربية و يمكن تحديدها على أي نقطة بتلك المساحة”. أي أن المجال هو قوة بسهم موجهة

vector

لها قيمة و لها إتجاه و ليست فقط قيمة، و هناك أشكال من الطاقة يكون فيها المجال محلى، كما هو الحال مع الطاقة الحرارية أو الطاقة الكامنة مثلاً، و بذلك تكون هذه الطاقات تافهة كإتجاه لكنها مهمة كقيمة، و عليه لا يطلق كلمة “مجال” بالمعنى العلمي عليها

و لذا فلا يمكننا التحدث عن مجالات الطاقة و التي يرتكز عليها بياعي الطاقة الكونية في نشر “علومهم” دون أن نحدد شكل هذه الطاقة و هذا يقلص فضاء بحثنا و يحدده بالطاقة التي لها مجالات، أي لها كمية قوة و إتجاه و هي الطاقة الكهرومغناطيسية (هذه الطاقة و الطاقة الكهربائية هما وجهان لعملة واحدة و لذا فسوف أكتفي بإطلاق الطاقة الكهرومغناطيسية لتشملهما معاً). و كذلك الطاقة الإشعاعية و الصوتية، فهي أيضاً تدخل ضمن الموجات الكهرومغناطيسية و طاقة جاذبية الكواكب هي أيضاً تدخل بنفس المجال. أما الطاقة النووية فهي تكون نتاج إنشطار أو إندماج الذرة و لا تعنينا عند مناقشة طاقة الجسم البشري أو ما يحيطه مباشرة في الأحوال الطبيعية. و على ما سبق يمككنا أن نفترض جوازاً أن الطاقة المقصودة في هذه الحالات هي الطاقة الكهرومغناطيسية

و الآن لنطبق هذه المصطلحات على الجسم البشري بطرح هذه الأسئلة: فهل الجهاز العصبي الموجود بالعمود الفقري هو فعلاً المصنع و الموزع الكهرومغناطيسي للجسم؟ و هل الطاقة الكهرومغناطيسية التي يصنعها الجهاز العصبي لها مجال و أثر على المحيط الخارجي؟ و ماذا عن الجاذبية؟ أليس جذب الجسم للأرض تجسيد لهذه الطاقة؟ ألا نتعرض لصعقة الستاتيكا “نتكهرب” عندما نلمس مقبض الباب في الشتاء؟

إن نظرنا للموضوع على المستوى الكوني، فلاشك أن أجسامنا لها كتل، و كل شيئ يملك كتلة في مجال الجاذبية الكونية يكون عرضة لهذه القوى و جزء منها. لكن الجاذبية هي أحد الطاقات الكونية و لا تشملها جميعاً، فهنالك أيضاً الطاقة الإشعاعية و الطاقة المظلمة و غيرها من التي لازال أمام العلم تحدياً كبيراً لإكتشافها، سواء كانت موجبة أو سالبة حتى تتعادل لتصل الطاقة الكونية إلى الصفر و يتم بذلك التوازن من خلال كون متمدد، فلا تطير الكرات السماوية خارج مداراتها، و لا نطير بالجو عند المشي على سطح الأرض. و عليه لا يمكن أن نسمي قوى الجذب بين الأشياء بالطاقة الكونية إلا إن كنا نقصد كل هذه الطاقات مجتمعة و عندها تكون صفراً بالجمع الجبري-أو قليلاً جداً ليسمح للكون بالتمدد على مدد زمنية أسترونوميكية هائلة

أما على مستوى الجسم، فهنالك عمليات بيوكيميائية يتحول بها الغذاء إلى طاقة حرارية، و هي ما نسميها بعمليات التمثيل الغذائي، و ذلك كي يساعد الجسم الحي بالقيام بوظائفه الحيوية، فتتحرك بأجسامنا سوائل لتحافظ على الأعضاء بدرجة معينة، و يقوم الجهاز العصبي بإصدار البلايين من الشارات الكهربائية الناتجة عن العمليات الفيزيولوجية و يوزعها على جميع أجزاء الجسم ليقوم كل عضو فيه بوظيفته

لكن هل المعادن الموجودة في هيموجلوبين الدم مثل الحديد تكون بالكمية الكافية و الوضعية المناسبة لتصبح ممغنطة و تصدر قوة كهرومغناطيسية تستطيع أن تخترق حدود الجسم و تحرك البوصلة مثلاً عند إقتراب اليد منها، أم أن قوتها فقط محصورة بتحريك أعضاء الجسم لقيام كل منها بوظيفة الحياة؟ أي هل قوتها محلية بالجسم (طاقة كامنة) أم ممكن أن تتجاوز الجسم لتصل لحد التأثيربالأجسام الأخرى في محيطها؟ و إن كانت هذه القوة محصورة بالجسم فقط فكيف يستطيع معلم الريكي بحركة من يده بمسافة قريبة من الجسم أن يجلب الطاقة “الكونية” و يحصرها في تعادل القطبية بالجسم العليل ليشفيه دون أن يحدث خلل بالمحيط (المتوازن)؟

و إن نزلنا أكثر إلى مستوى الدون الذري، فكل الأجسام هي بالنهاية ذرات بها فراغات شاسعة و جزيئات متطابقة، سواء كانت حية أو جماد. و كلها ترضخ لنفس فيزياء و قوانين الكم. و هذا ما يستغله علماء النيو إيج ممن يحاولون بشتى الطرق أن يكسوا الفلسفة الشرقية القديمة بلباس العلم الحديث، عندما يلجأوون لمصطلحات تستخدم في علم الفيزياء الكمية، و هي الفيزياء الخاصة بالجزيئات دون الذرية، مستغلين جهل العامة بهذا العلم، لكي يثبتوا أن الطاقة الكونية ليست فقط حقيقة، و لكنها أيضاً  “شئ” واعي. و هذا الكلام غير منطقي لعدة أسباب

أولاً: صحيح أن المادة في الحالة دون الذرية تتصرف أحيانا كموجات، و هي بذلك تشبه الموجات الكهرومغناطيسية و الموجات الصوتية و الموجات الضوئية و حتي أمواج البحار في كونها محدودة المجال و تتلاشى في نهاياتها. لكن ما يحدد سعة هذا المجال فهو قوة المؤثر عليه. فإن رمينا حجراً كبيراً في بركة مياه مثلاً فستكون سعة مجال الموج أكبرمما يحصل مع رمي حصوة صغيرة. و بعد زوال المؤثر (الحجر و الحصوة) تعود المياه للتوازن تدريجياً. و هكذا هي الذرات في الجسم الغير معرض لتأثيرات خارجية، تكون أصلاً في حال تعادل على مستوى الجسم مهما كانت غرابة تحركات إليكتروناتها بالذرات

ثانيا: ميكانيكا الكم أو قوى الجذب الميكانيكية محددة بمستوى الجزيئات دون الذرية و قوانينها الفيزيائية لا تسري على ما هو على مستوى الجسم ما لم تتأثر خلاياه بمؤثر قوي كلمس سلك كهربائي حي مثلاً عندما تكون أجسامنا مبللة بالماء. و لذلك فالقوة الكهرومغناطيسية بالجسم الحي محددة و حرارته محددة محلياً و ليس لهما تأثير بصورة مؤثرة بالمحيط الخارجي و الكون

ثانياً: الطاقة كما ذكرنا سابقاً هي قدرة الجسم على عمل شغل و ليس شيئاً مادي قائم بذاته و له وعي. و عليه فجملة “الوعي الكوني” الذي تتردد على لسان علماء النيو إيج لا معنى له بتاتاً، بل هو مجرد سَلطة كلمات

 التنميل و الإحساس بصعقة الستاتيكا أو بتطاير الشعر بعد خلع البلوفر الصوفي في الشتاء و كأنه مغناطيس، و الذي يتعذر به من يروجون لوجود الطاقة كدليل مادى، هو بالواقع مضلل. فالأجسام بالوضع الطبيعي تميل بأن تكون الشحنات فيه متعادلة. و ما يحدث هو بالفعل نوع من الكهرباء الذي تخلقه ذرات الأجسام المعزولة عندما تشحن بسبب فركها ببعض فيختل توازنها وقتياً. و عندما لا تستطيع أن تفرغ شحنتها طبيعياً (كما تفعل بالجو الرطب مثلاً) تتركز شحناتها على السطح فتحدث هذه الصعقة عندما تتلامس بسبب إنتقال إليكترونات الذرات بينها كي تحيلها للتعادل. (و كذلك الشعر يتطاير بصورة غريبة بسبب تكوُن شحن متشابهة لكل شعرة و أخرى بعد فركها بالبلوفرفتتنافر). لكن هذا النوع من الكهرباء هو ساكن مؤقت و ليس له مجال للسريان خارج محيط الجسم. قارن ذلك بمسك سلك كهربائي حي بملابس رطبة و بدون حذاء (لا تفعل ذلك إلا إذا كنت تريد الإنتحار). و عليه فإن كان هنالك من له قدرة على التحكم بهذه الشحنات ليعادلها، فذلك لا يمكن أن يحدث دون الإحساس  بالملايين من هذه الصعقات بين الجسمين. و يكون ذلك عند اللمس و ليس عند تمرير اليد على مسافة منه و لا بالتركيز الذهني. و الآن فكر بمقولة أن هناك من “يملك هذه الطاقة (المشحونة) و يستطيع أن يوهبها للآخر”، ألا تبدو هذه الجملة ساذجة في ضوء ما سبق؟

يتبع

(1)هوس الأغلبية بالطاقة الكونية

أ- مثل العمود الفقري للجسم كمثل لوحة الكهرباء للمنزل. فكما أنه لا يعمل التكييف و لا البراد و لا المصابيح الكهربائية و لا التلفزيون أو أي جهاز كهربائي دون تشغيل المفاتيح في لوحة المفاتيح الكهربائية الموجودة في زاوية من المنزل، كذلك يصاب الجسم بالشلل التام بدون عمل الجهاز العصبي الموجود بالدماغ و على طول العمود الفقري، حيث يوجد مفاتيح التشغيل أو بالأصح العقد الرئيسية التي يمكننا أن نشغلها بتوازن الشكرات الموجودة على طوله، و ذلك لمد الجسم بالطاقة اللازمة. و كما يتم تحديد كل مفتاح في لوحة المفاتيح الكهربائية بالمنطقة التي تخدمها، كذلك يقوم العلماء بتحديد الشكرات بالألوان ليفرقوا بينها و يحددوا المناطق التي تخدمها في الجسم. و تسمي هذه الشكرات بعُقد الطاقات الكبري. كما يوجد عدد كبير من هذه العُقد بالجسم، و لكنها أصغر حجما و أقل قوة و لذا تسمى العقد الصغري أو الجانبية، و تكون وظيفتها خدمة الجزء المحلي كالأطراف، كما هو الموزع الكهربي في كل غرفة

ب- هذه العقد بالجسم تعمل، مع جريان الدم في الشرايين و العروق، على تقطيب المعادن الموجودة بالجسم لتصل للتعادل بين الأقطاب السالبة و الأقطاب الموجبة في المعادن الموجودة بسوائل الجسم و في المعادن الأخرى حولها بالكون حتى يصبح الجسم سليماً معافى. و إن إختل هذا التوازن يتأثر جهاز المناعة فيعتل الجسم

ج- حتى يصل الجسم لهذا التعادل في تقطيب أيوناته فلابد أن تكون الطاقة في معادن الجسم في إنسجام تام مع الطاقة المحيطة. فجسم الإنسان جزء لا يتجزأ مما هو حوله بالكون. أو بمعنى آخر هو جزء من الطاقةالكونية

Universal Energy

علم الكوانتوم ميكانيكس

Quantum Mechanics

أو الفيزياء الكمية، و هو العلم الذي يتعامل مع الجزيئات الدون ذرية (الذرة ليست أصغر شيء بالمادة)،  بيّن غرابة هذه الجزيئات في تحركاتها، فهي ممكن أن تختفي من مكان لتظهر بمكان آخر يبعد عنه بمئات (أو قد يكون ملايين) الأميال. و هذه الجزيئات تحمل طاقة و شحنة، و هذا إثبات كافي من العلم الحديث بأن الطاقة ممكن أن تتحرك لتصل إلى كل مكان و تؤثر على الطاقات الأخرى في طريقها. لكن الأغرب من ذلك كله هو أن هذه الجزيئات قد تغير من “فكرها” و لا تظهر بالمكان الذي نتوقعه عندما يكون هنالك من يراقب تحركاتها! و هذا دليل على أن الجزيئات في الذرة تملك نوعاً من الوعي و الذي هو جزء من الوعي الكوني

Universal Consciousness

د- بينت البحوث العلمية التجريبية أن هنالك عدة طرق للحصول على هذا الإنسجام و التعادل و التوازن في طاقة الجسم مع الطاقة الكونية. فعلى سبيل المثال و ليس الحصر

 لبس أساور معدنية (في العادة مصنوعة من النحاس) يعمل على تقطيب المعادن بالجسم لبلوغ هذا التوازن. و هناك من يعتقد أن حجر التركواز أو العقيق له ذات التأثير

 الإسترخاء برياضة الراجا يوغا يعمل على السمو بالروح للوصول إلى اليوك

yoke

و يقصد بذلك التلاحم أو التوحد مع الطاقة الكونية الطبيعة و بالتالي بلوغ الجسم لهذا التوازن المطلوب

  اللجوء لمعلم الريكي

Reiki

 و هو غورو يملك قوة تحكم، ليس فقط بطاقته الذاتية و لكن أيضاً بالطاقة الكونية، فيقوم بالإستعانة بطاقته الفكرية و تحريك يده على مسافة من جسم المريض (دون أن يلمسه) بمعرفة مواقع الخلل فيه و من ثم تسخير الطاقة الكونية لعمل التوازن المطلوب في جسم المريض فيشفى

( علم الريكي لديه اأيضاً القدرة على أن يزودك بالطاقة لتصبح أنت أيضاً معلماً و شافياً لأمراضك و أمراض الغير. فالطاقة بهذا المفهوم شيئ يوهب (و بالنتيجة يسلب

 هذا مع العلم بأن التحكم بالطاقة الكونية ليس مقتصراً على معلمي الريكي، فالطاقة الفكرية إن تم إستخدامها بصورة حِرَفية فهي ستجذب ما نريد و تبعد عنا ما لا نريد.فقانون الجذب

Law of Attraction

يخبرنا بأنه بإستطاعة أي كان أن يركز طاقتة الفكرية و لمدة من الزمن على شئ معين (كالحصول على ترقية مثلاً) كي يتحقق مطلبه دون أن يسعى هو لذلك

إن كان ما ذكر أعلاه يبدو لك منطقياً  أو علمياً، فأنت لست وحيداً في هذا، فأغلبية البشر يغدقون بالصرف سنوياً و بصورة مستمرة من بداية التاريخ البشري و حتى اليوم في شراء وهم الطاقة الكونية، سواء باللجوءإلى المنجمين (ينعتون بالعصر الحالي بالروحانيين) أو التنجيم ( “علم” الأبراج) أو الريكي أو الراجا يوغا أو مجالات البايو (نسبة للبايولوجي) أو التعادل النواتيكي

Noetic Balancing

 و دراسة الهالات و التنظيف و التشغيل و النورانية و التحسس و القوى السالبة و نظيرها الموجبة و المجال البايواليكتروني للبشر و التشي

chi

 أو قانون التجاذب أو غيرها من سلطة المصطلحات التي يستخدها من ينْعَتون بالنيو إيجرز

New Agers

وهؤلاء ليسوا إلا جماعات قامت بإحياء الفلسفات الشرقية القديمة و كسوها بلباس العلم الحديث لينتجوا “علماً” غريباً عجيباً، لا يوجد دليل مادي واحد على صحتة.. و لا تستغرب إن وجدت الكثير من المثقفين و المتعلمين و الفيزيائيين و المدرسين و الأطباء و علماء النفس و المهندسين ذوي التخصصات العلمية في أحد أشكال الطاقة (أعترف، كنت شخصياً أحدهم)، ممن إنطلى عليهم هذا الهراء، على الأقل لفترة ما في حياتهم

لكن كيف لنا و في خضم هذا الموج العاتي من المعلومات التي تكاد تغرقنا بيم الغريب و العجيب من المصطلحات التي يقع تأثير لفظها على الأذن غير المتخصصة و كأنه علماً راقياً، كلما ضغطنا على زر البحث عن معلومة ما، من أن نتأكد أن ما يصلنا هو علم حقيقي أو مزور؟ فشبكات المعلومات سماء مفتوح للجميع، و الجميع يستطيع أن يدلي بدلوه فيه حتى لو كان دلوه معكراً بخلطة السحرة و المشعوذين؟ فالكثيرين يخلطون الأساطير و حواديت الجدات و الخيالات و يتبلونها ببهارات من علوم الفيزياء الكلاسيكية و الكمية، ليقدموا لنا بالنهاية وجبة دسمة من علوم يدعون أنها معتبرة، و أنها أعلى من مستوى فهم العموم. و عندك الأمثلة أعلاه

الأغلبية تدعي بأن ما تقدمه قد تم “إثباته علميا” و مع ذلك لا تعطينا الدليل على هذا الإثبات أو مصدره، أو قد يلقي البعض لنا بصنارة يعلق عليها الأسماء الكبيرة الشهيرة، كإسم “ناسا” أو “جون هوبكنز” أو “مايو كلينيك” كطعم للتمويه، و هو يعرف أن في أغلب الأحيان لن يرجع المتلقي للمعلومة إلى المصدر الرئيسي لهذا “العلم” للتأكد الشخصي، بل على الأغلب سيقوم بعمل نسخ/لصق أو إعادة الإرسال بالبريد الإليكتروني أو يشّيره بمواقع الشبكات الإليكترونية الإجتماعية، فيكون بعمله هذا قد ساهم بنشر الجهل حتى دون أن يشعر. و كلما كثر إنتشار المعلومة أكثر كلما زادت ثقة الناس في صحتها مع أنه لو تم البحث و التدقيق عليها بعين ناقدة لإكتشف الباحث أن جميع هذه النسخ ترجع لمصدر واحد، و في الغالب لا يزيد عن كونه علم مزيف، إستخدم لغاية ما في نفس يعقوب

شخصيا لا أرى مفر من هذه المصيدة إلا بالشك بكل معلومة و البحث و التنقيب عنها و خصوصاً إن لم تبدو منطقية أو بدت مثيرة، و من ثم نشر هذه البحوث (على الأقل لمن له خلفية علمية بالمادة المطروحة) لتنبيه الآخرين، الذين سيقومون بالتالي بعمل بحوثهم الشخصية للتأكد و هكذا. و أعتقد أن العلماء (الحقيقيين) و الأطباء و المهندسين و الفيزيائيين و المدرسين و كل ذوي الإختصاص عليهم، بالإضافة لمهماتهم الأخرى، دور جديد تجاه مجتمعاتهم اليوم مما لم يكن له ضرورة بالسابق. و هذا الدور يتلخص  في نقد العلوم المزيفة و تعريتها في سماء الشبكات الإليكترونية أينما وقعت تحت أيديهم، و ذلك ليكون ما يصل إلى الباحث في الشبكة، على الأقل، متعادلاً مع كثرة العلم المزور على النت. هذا الإجراء يعطي وازعاً إضافياً للباحث بزيادة حثه على البحث عن المصادر الموثقة. و إن كانت العلوم المزيفة أو المعلومات الخاطئة منتشرة أكثر بالشبكة المعلوماتية (و هذا هو الحال بالذات في المواقع العربية و الإسلامية) فهذا دليل على تقصيرهذه الفئة بالذات عن القيام بمسئوليتها تجاه مجتمعاتها. و لا يحق لها عندئذٍ أن تتذمر من تخلف بيئتها

و أنا لا أدعي بأي شكل من الأشكال بأن هذا الإجراء سيوقف كل المعلومات الخاطئة من المرور من تحت المجهر الشكوكي لكل منا، و لا أن الناس ستأخذ بالعلوم الصحيحة و تترك الوهم لكون الأخيرلا يستند على أساس من الثقة و الحِرَفية العلمية، لكنه بالتأكيد سيقلل من نشر العلوم المزورة بالتدريج، و سيجبر كل من ينشر معلومة علمية بالشبكة من التأكد من المصادر قبل النشر، خوفاً من أن يصبح صاحبها عرضة للنقد و السخرية أو على أقل تقدير يفقد ثقة القارئ. و بإستطاعتنا أن نرى كيف أن بعض الشركات المعلوماتية، كشركة ويكيبيديا (النسخة الإنجليزية، أما العربية فلازالت تحت التنقيح من قبل المتطوعين) و هي شركة مفتوحة لمشاركات الجمهور، قد بدأت فعلياً بإتخاذ هذا الإسلوب بتنقيح المعلومة، حيث تقوم بمراجعة المعلومات في بنكها المعلوماتي بصورة دورية  للتأكد من المعلومة و من مصادرها، و عدم السماح للمعلومات المزيفة من المرور تحت إسمها من قبل المتطوعين. كل ذلك لكي تكسب جمهوراً واعياً يثق بها-هذا مع العلم بأن الجامعات الأمريكية لا تقبل حتى الآن بوكيبيديا كمصدر للبحوث مع أن الكثيرمن أساتذتها يلجأ له في طلب المعلومة بصورة سريعة

و لنرجع الآن لموضوع الطاقة الكونية. و هو الموضوع الذي يعتمد مروجيه على كونه مبهماً ليبيعوا وهماً. فلكي نتأكد من المعلومات التي تردنا من كل ركن و صوب و منها ما ذكرت أعلاه (إعمل غوغل على الطاقة الكونية أو قانون الجذب لترى بنفسك الكم الهائل من الخزعبلات) فلابد أن نضعها تحت الميكروسكوب الشكوكي و النقد العلمي و الإختبار، و لابد أن نبحث عن مصادر أخرى لعلماء بنفس المجال ممن يؤكدها أو يدحضها. فإن نجحت بإجتياز الإختبار فليس لنا عندها حجة عليها و نرضخ بكونها علماً حتى لو لم يبدو ذلك منطقياً. و إن لم نستطع لا إثباتها و لا نفيها، فستكون عندها نظرية مثل كل النظريات التي ليس لها أساس علمي أو علماً مزيفاً إلى أن يتم إثباتها بالأدلة الدامغة. و هذه هي الطريقة العلمية الصحيحة في تحليل و تأكيد أية معلومة و وصمها بالعلم

لنبدأ أولا بتسمية الأشياء بمسمياتها. يقول سقراط الحكيم أن “بداية الحكمة تكون بوضع التعاريف”  و عليه سوف أبدأ بتعريف كل من الطاقة الكونية و مجالات الطاقة الكونية علمياً. فالتعاريف ما هي إلا صفات نحن نتفق على وجودها بالأشياء كي نكون على مستوى فكري واحد فنعرف ما هو المقصود بالضبط. فليس من المعقول أن أتكلم عن التفاحة مثلاً و أنت ترى بعقلك البرتقالة؛ عندها سنفقد خيط التواصل و الفهم المشترك،و لا نصل لنتيجة مفهومة لجميع الأطراف. و قد نبدو متفقين أو مختلفين و بالواقع نكون عكس ذلك

يتبع

عشرة مغالطات مرادفة للإلحاد

1-الإلحاد دين و دوغما .

أصل كلمة الإلحاد باللغة اللاتينية هوAthos  و هذه الكلمة عبارة عن دمج كلمتين هما “عدم” و ” إيمان”. و تعليقا على من يقول أن الإلحاد دين, يقول الكوميدي و الساحر الأمريكي الملحد بن جيليت, Penn Jillette  “مقولة أن الإلحاد دين هي كمقولة أن عدم جمع الطوابع هواية” أي ان هذه الجملة لا معنى لها إن رجعنا إلى أصلها اللغوي. و لكي نحكم على مدي صحة هذه المقولة يستلزم منا تعريف الدين و تعريف الإلحاد أولا و من ثم مقارنتهما ببعض.

هنالك ثلاثة تعاريف للدين في قاموس مريم وبستر.إثنان منهما رسمي و الثالث غير رسمي, او مختلف عليه.

أ-الدين هو الاعتقاد بوجود الاه أو اكثر.

ب-الدين هو منظومة تعمل على تنظيم العبادات و المناسبات الدينية و القوانين و التشريعات الخاصة بالإيمان في إلاه أو أكثر.

ج-الدين هو الرغبة و الإعتقاد و العمل بمنظومة تكون في غاية الأهمية لشخص أو لمجموعة أشخاص- و هذا هو التعريف غير الرسمي.

أما تعريف الإلحاد و من نفس المصدر السابق فهو:

أ-عدم الإيمان بوجود خالق.

ب- مبدأ قائم على عدم وجود خالق.

من الواضح في (أ) بكلا التعريفين أعلاه أنهما يناقضان بعضهما تماما.

و إذا نظرنا للتعريف (ب) للدين فكما هو واضح أن للدين منظومة خاصة تعمل حسب قوانين ملزمة لجميع معتنقيه بصورة توتاليتيرية شامله,  تندثر تحتها الصفات الفردية في مصلحة  بقاء المنظومة. و هذا أيضا أمر يناقض الفكر الإلحادي الذي يعتمد بصورة أساسية على القناعات الفردية بعد إنفصال الفرد من المنظومة التي ترعرع فيها و التأمل و البحث لايجاد إجابات  للأسئلة الكبيرة “من مثل هل يحتاج الكون لخالق”  في خارج الصندوق و بعيدا عن النقل المتوارث.  فالملحد يعتمد على بحث ذاتي, ليس في كتب كبار الملحدين و الفلاسفة و لا في كتب العلماء في شتى مجالات العلوم الطبيعية فقط, بل يعيد قراءة  الكتب الدينية التي أسلم بصحتها سابقا و لكن بمنظار مختلف عما تعود عليه, و بعين ناقدة ترضخ كل ما يقرأ للإسلوب العلمي الصحيح بعدم التسليم لأي شيئ بدون أدلة دامغة. و كلما كبر حجم الإدعاء كثرت الحاجة لديه لأدلة أكثر و أقوى. أو كما قال كارل سيجان Carl Sagan , “الإدعاءات الإستثنائية تتطلب أدلة إستثنائية”.

أما بالنسبة للتعريف (ج) للدين, فشخصيا أميل للمفكرين الذين لا يعتبرونه تعريفا حقيقيا للدين. فكما يقول رسل بلاكفورد  Russell Blackford في كتابه “خمسون إسطورة عظيمة عن الإلحاد” 50 Great Myths About Atheism بما معناه أنه إن كان هذا التعريف – ج- صحيحا عن الدين ففرق كرة القدم أو السلة أيضا منظومات دينية.

 أما بالنسبة للدوغما أو العقيدة فتعريفه حسب نفس المصدر هو كالتالي:

أ-هو الإعتقاد أو مجموعة إعتقادات مقبولة من قبل أعضاء في جماعة بدون مساءلة و لا شك.

ب-الإعتقاد أو مجموعة إعتقادات تدرس من قبل المنظومات الدينية.

و بمقارنة تعريف الدوغما في (أ) بتعريف الإلحاد نرى أن الأخير و بسبب طبيعة فكره التفردي لا يتقيد بجماعة, بل هو متهرب أساسا من الدوغما بسبب هذا الفكر التسلطي  للجماعة على الفكر الفردي. فالملحد فخور جدا بتفرده الفكري و يحترم الإختلافات الفكرية طالما هي مبنية على المنطق و العلم و ليس على الجهل و النقل أو إساءة إستخدام الدين. لكنه يكره أن يكون كوبي/بيست لغيره حتى لو كان هذا الغير ملحد أخر. فما يجمع ملحد بأخر ليس إلا شيئ واحد و هو عدم الإعتقاد بوجود خالق للكون و تبعية هذا الإعتقاد على حياته الإجتماعية. و قد يختلف الأثنان في كثير من الأمور و قد يتفقان في غيرها. و لذا فالملحد لا ينتمي إلى منظومة تملي عليه قوانينها.

و هذا يدخلنا بقضية الإنتماء لجماعة ما. فالإنتماء حاجة بشرية, يحتاجها الملحد كما يحتاجها المتدين. و الدين يصور أقوى أمثلة للإنتماء. بل أن كثير من الملحدين قد لا يجاهرون بفكرهم بسبب إنتماءاتهم السابقة لدين أو مذهب معين أو قبيلة أو عائلة أو حتى بلد. و في الدول الغربية, حيث تزداد مساحة الحرية في إعتناق الدين أو تغييره أو الإلحاد, تجد الملحدين يشكلون تجمعات خاصة بهم يقومون فيها بعمل شبه تنظيم يناقشون بها الأمور التي تخصهم كملحدين بحرية و يتبادلون الأفكار دون خوف من تبعية إبداء هذه الأفكار على حياتهم الشخصية أو الإجتماعية أو المهنية, خاصة بالدول التي يزيد بها عدد المؤمنين نسبة لغيرهم كأمريكا. وهم  بذلك يشبعون الحاجات الإنتمائية لديهم دون أن يضطروا إلى منافقة مجتمعاتهم و بيئاتهم بسبب هذه الحاجة. و كذلك نجد تجمع الملحدين في المواقع الإجتماعية الإليكترونية لبقية الدول التي ليس بها تلك الحرية و غالبا تكون تحت أسماء مزيفة. لكن مع ذلك لا يوجد بين هذه الجماعات من يلزم جميع أفراده بإتباع فكر معين أو يقوم بتلقينه ثوابت معينة كما هي بالإجتماعات الدينية. و ليس صعبا على من يزور هذه المواقع أو من يحضر هذه الإجتماعات ملاحظة أن الملحدين يختلفون كثيرا. و هم لا يقبلون قوانين تملى عليهم من قبل الجماعة, و لا توجد أصلا قوانين يفترض عليهم مراعاتها. و لذلك فهم ينعتون أنفسهم بالنيرين Brights . و النير لا يكون إلا بالإقتناع المنفرد و المعتمد على البحث الذاتي.

 

2-الملحدين مشككين Skeptics بالضرورة:

هنالك لبس بين الملحد و المشكك. فالإلحاد درجات, قسمها عالم البيولوجيا, ريتشارد داوكنز Richard Dawkins في كتابه” الله الوهم” The God Delusion على سلم مقسم إلى  سبع أقسام, يكون فيه الملحد بأقصى طرف من هذا السلم بينما يكون المؤمن بالطرف الأخر الذي يقابله, ثم بين هذين المتضادين تتدرج قوة أو ضعف إيمان أو كفر الفرد, و هؤلاء هم المشككين بدرجاتهم . فالتشكك هو درجة من الإلحاد إذا كان واقعا في النصف المتجه للطرف الإلحادي. لكن المفاجأة التي صادفتني شخصياً بأنه ليس كل ملحد مشكك, فبينما المشكك يرفض كل أمر ميتافيزيقي و ما ورائي ما لم يتم إثباته بالأدلة و البراهين الرادعة, نجد بعض الملحدين يشككون فقط بوجود خالق أو ينفونه. لكنهم مع ذلك قد يعتقدون بوجود الروح أو يؤمنون بالأبراج أو الأشباح أو القوى الكونية و غيرها من الإعتقادات الشرقية القديمة. و في الواقع لا أحد يستطيع فهم منطق هؤلاء لأن أحد أهم المقاييس الذي يتم على أساسها رفض وجود خالق هو عدم وجود الأدلة عليه. فلماذا لا يطبق هذا المقياس على كل شيئ أخر؟ وهذا بالضبط ما يفعله المشكك. و عليه قد يكون المشكك ملحدا و لكن ليس بالضرورة أن يكون الملحد مشككا.

3-الملحدون هم مجموعة من الناس ممن يشتكون من أزمات نفسية كانت السبب وراء الحادهم:

هذه المغالطة تبدو لي كالأشاعة التي كبرت مع الوقت لدرجة أنها صارت أمر بديهي حتى على من أطلقها. و ليس بالغريب أن يكون مرددوها لا يملكون التخصص المطلوب  بعلم النفس بل أغلبهم رجال الدين و علماء الكلام. و هي إن دلت على شيئ فهي تدل على ضحالة تفكيرهم و سطحية متابعيهم و مرددي ما يقولون. فكل البشر يمرون بأزمات نفسية و لا يمنع أن تكون هذه الأزمات سببا ليقوم الشخص بإعادة التفكير بحياته و لكنها ليست دائما تؤدي إلى إلحاده كردة فعل أو ثورة ضد بيئته. بل العكس قد يكون أكثر صحة حيث أن من يمر بأزمة نفسية, مثل موت حبيب أو قريب, يكون أكثر عرضة للتسليم بالإعتقادات الدينية و التأكيدات المرادفة لها.فإعطاء الأمل بأن الإنسان سيلتقي بمن يحب في حياة أخرى مثلا, فكرة مطمئنة للنفس الثكلى, لدرجة أنها تكون مقبولة حتى لو كانت كاذبة, لأن الشخص و هو في تلك الحالة النفسية  يريد أن يصدق ذلك و لا تقبل نفسه سواه. و هذا واضح بمراسيم العزاء حيث يتحول بعدها الشخص من إنسان مهمل لواجباته الدينية إلى شخص أكثرمواضبة و إلتزاما بها.

4-الالحاد يدعوا للفسوق و عدم الاخلاق و الرغبة في كسر القوانين:

كتب لي أحد قراء مدونتي مرة يقول أن الإنسان بحاجة لمن يعلمه الخير من الشر. و لذلك فهو بحاجة لما سماه بالمانيويل Manual  أو دليل الأستخدام. فبدون هذا المانيويل, كما يقول القارئ, لا يمكن لأي كان أن يعرف ما هو صحيح و ما هو خطأ. و تقول صديقتي في تعليقها على كلام القارئ بأن بعض الناس هم بالفعل في حاجة لهذا المانيويل و بدونه سيصبح المجتمع مليئ بالمجرمين. فرددت عليها مقولة نسبت لبوذا مفادها أن الناس نوعين: نوع خيّر لا يحتاج لقوانين تسيره, و نوع شريّ لا يحتاج لقوانين تردعه أيضاً لأنه سييبتكر طرقا للتحايل عليها. أي في الحالتين القانون غير فعال لأن كل شخص سيقوم بالعمل بما يمليه عليه هواه حتى لو فرضت عليه قوانين تفصل بين الخير و الشر. فهل بالفعل يحتاج الأنسان لمانيويل مكتوب و قوانين رادعة لكي يعرف الخير من الشر؟

يصور الفلم الوثائقي  “مسيرة البطاريق”*  و الذي قامت بإنشاؤه ناشيونال جيوغرافيك قصة البطاريق المهاجرة في فصل التكاثر لمناطق أكثر برودة حيث تشكل الثلوج ارضية صلبة للرقود على البىض. و هناك يتناوب كل من الذكر و الأنثى بالرقود على البيض و تدفئته لحين أن يفقس. و يصور الفيلم مشهد إحدى الأمات اللواتي يموت وليدها بعد أن يفقس البيض فتفقد عقلها من الحزن عليه و تطارد إحدي الأمهات الأخريات لسرقة جنينها منها. الطريف أن بقية الأمهات يحاربن هذه الأم الثكلى و يبعدونها عن الأخرى و وليدها. السؤال هنا: هل إحتاجت البطاريق إلى “مانيويل” كي تفقه أن السرقة عمل غير أخلاقي؟ و إن أسلمنا بأن الأنسان يفوق الطير في تطور الوعي و الحس الإجتماعي لديه, فهل من المنطق القول بأن الأنسان يحتاج لمانويل يبين له طريق الصواب من طريق الخطأ بينما لا يحتاج الطيرلمثل هذا المانيويل لأنه يعرف ذلك بالفطرة؟

فإذاً المسألة ليست مسألة معرفة الخير من الشر. لأن الإنسان حيوان إجتماعي يتعلم من خبراته الإجتماعية. فتتشكل لكل فرد بوصلته الإجتماعية التي يقدر بها الأمور و يوزنها . لكن  الإجرام عمل إختياري يتعلق بمدى رغبة الشخص بالتقيّد بما يمليه عليه الضمير و الحس و الوعي الإنساني. فالقوانين مهمة بالمجتمعات لكي تحدد الخطوط العامة بين حقوق الأفراد و خصوصا عندما تتقاطع, و تنظمها في حال تعدي طرف على حقوق الطرف الأخر. لكن التقيد بها عمل إختياري و فردي يرجع تقديرة و تحمل مسئوليته إلى الفرد نفسه .

 و لم تكن الديانات أبدا مصدرا للأخلاق,فهي إستغلت المنظومة الأخلاقية الإنسانية  بتطوراتها منذ الأزل و نسبتها لها, بل حتى أساءت إستغلالها لأنها خلطتها باللا أخلاق واللا إنسانية. فكيف مثلا نفسر إبتهاج و فرح و تهليل و زغردة أم المجاهد الإنتحاري عندما تسمع أن إبنها الشاب قد فجر نفسه و قتل الأبرياء معه؟ أين هي الأخلاق في تفجير نساء معاقات في وسط الأسواق المزدحمة ببغداد بالرموت كنترول؟ ** و بالمقابل تجد السويد, و التي  تعتبر من الدول التي يكثر بها عدد الملحدين , قد نزل بها معدل الإجرام بالسنتين الأخيرتين*** لدرجة قد تجبر الحكومة إلى الإستغناء عن أربعة سجون. فلو كانت هذه المقولة حقيقة لكانت الأحداث الواقعية تدعمها. لكن ما يحدث على أرض الواقع يقول بأن العكس صحيح.

إذا نستخلص مما مضى أن الأخلاق ليست لها صلة بالدين. أو كما ذكر الفيزيائي ستيفن واينبرغ Steven Weinberg, صاحب جائزة نوبل بالفيزياء الكهربية أن ” الدين إهانة للكرامة الإنسانية. فبدون الدين أو معه سيقوم الخيريّن بعمل الخير و الأشرار بعمل الشر. لكن حتى يقوم الشخص الخيّر بالقيام بالأعمال الشريرة فذلك يتطلب دين.”.

5-الالحاد يعني عبادة الطبيعة:

أقرب فلسفة لعبادة الطبيعة تتمثل بالبانثيزم  Pantheism أو “مذهب وحدة الوجود” و تعريف هذا المذهب من نفس القاموس هو :

أ-مبدأ (فلسفي) يساوي الله مع قوى و قوانين الكون.

ب-عبادة الألهة المختلفة بجميع العقائد و الطوائف و الاشخاص دون المفاضلة بينها: و كذلك تحمل العبادات الخاصة بجميع الألهة (كما كان واضحا في وقت معين من تاريخ الإمبراطورية الرومانية).

و هذا المذهب يبدو جليا بالديانات الشرقية مثل البوذية و الهندوسية قديما. كما فصل مبادؤه الفيلسوف إسبينوزا Barach Spinoza في العهد الجديد نسبيا. و من أشهر معتنقي هذا المذهب هو العالم أينيشتاين Albert Einstein. فعبادة الطبيعة ليست بالأمر الجديد في التاريخ البشري لكنه ليس إلحادا. فالإلحاد هو عدم الإعتقاد بوجود أي إلاه حتى لو كان هذا الإلاه إلاه إسبينوزا. 

6-الملحد لا يعتقد بوجود سبب للحياة أو قيمة لها و لذا فأكثر المنتحرين ملاحدة.

يقول الفيلسوف الراحل جوزيف كيمبل Joseph Campbell, و هو أحد ملحدي العصر الحديث, ”الحياة لا قيمة لها. فأنت من يعمل لها قيمة. و قيمة الحياة تتحدد حسب تقييمك أنت لها. فكونك لازلت حيا هو بحد ذاته يعطي لحياتك معنى.” و عندما أفكر ببلايين الحيوانات المنوية التي تتنافس في ماراثون ميكروكوزمي ليصل واحد منها فقط للبويضة و يلقحها لخلق الحياة, فهذا بحد ذاته سبب قوي للإعتقاد بـأن الحياة قيمتها أكثر مما نعطيها من حق. بل العكس صحيح. فكثير ما نسمع من المؤمن عبارات مثل ” الحياة ليس لها قيمة نسبة للأخرة. ” و ما أن يصل الشخص لسن معين حتى ترى مجتمعه يعيبه إن رفه عن نفسه قائلا ” يالله حسن الخاتمة” و هكذا من الجمل التي تعيب قيام الشخص بالترفيه عن نفسه بالدنيا خوفا من العذاب الأبدي بالأخرة. أما الإنتحار فسببه نفسي المنشأ و بهذا لا يختلف الملحد و المتدين.

7-يعتقد الملحد أن كل شيئ بالكون خلق بالصدفة:

هنالك سوء فهم كبير لمعنى كلمة الصدفة. و المعنى العلمي للصدفة هو الإحتمالات الرياضية The Probability Theory. فلا يمكن مثلا أن تخرج من بيتك و “تصادف” تلفونك النقال طائرا بالهواء, خارقا قوانين الجاذبية. لكن ممكن جدا أن يحدث ذلك لو كنت بسفينة فضاء و بعيد عن مجال جاذبية الأرض. فالإحتمال الأول غير وارد بينما الإحتمال الثاني طبيعي. فقول أن الملحد يعتقد بأن الكون خُلق بالصدفة ليس دقيقا, حيث أن الكون في بداياته ليس هو كما اليوم, بل كان بالحالة الكمية أو المايكروكوزمية. و قوانين الكم للجاذبية Quantum Mechanics  لا تطبق على مجال أو مستوى حياتنا المعيشية على سطح الأرض و كل ما يتعلق بها بل يرضخ للقوانين النيوتونية للجاذبيةNewton’s Law of Universal  Gravity. و هذان المجالان بدورهما  لا يطبق عليهما قوانين الفيزياء التي يخضع له الكون بما فيه من نجوم و كواكب و أقمار و مجرات و ثقوب سوداء و مواد  مظلمة و كثافات مظلمة و إشعاعات و  غيرها من مكونات تخضع لقوانين المادة في المجال الماكروكوزمي أو الكوني بل تطبق عليها القوانين الاينشتانية للجاذبية Einstein’s General Relativity. فقول أن السيارة تخلق من العدم ب”الصدفة” ليس فقط غير منطقي بل أيضا تافه و يدل على سطحية قائله. فذلك مثله مثل القول بأنه ممكن أن يرحل شخص بالزمن للماضي أو المستقبل حسب نظرية التيليبورتيشن Teleportation أو الإنتقال عبر الزمن. فالسيارة موجودة بالوضع و المستوى الطبيعي للبشر و لا يطبق عليها قوانين الكم. والإنسان يعيش بالمجال الوسطي و ليس كالنجم بالمجال الكوني حيث يملك ضوئه قابلية إختراق الزمن- سواء للماضي أو للمستقبل. لكن قول أن الجزئ الكمي يظهر و يختفي بالعدم بصورة مستمرة راضخا لقوانين الإحتمالات الرياضية, علميا صحيح و توجد ادلة تدعمة. و الكون في بداياته كان هذا الجزئ الكمي و ليس الكون الشاسع الذي نعرفه اليوم و الذي هو بالواقع تراكمات خضعت – و لازالت تخضع- للإحتمالات الرياضية أيضا بجميع مراحل تطورة و تطور من و ما فيه بالإختيار الطبيعي.

8-الإلحاد ليس له صلة بالعلم.

بل العكس هو صحيح. فالشخص ممكن أن يترك الدين بسبب تناقضات النصوص الدينية أو بسبب هرطقات رجال الدين, وهو لا يحتاج أن يكون عالم دين و يعرف كل صغيرة و كبيرة في دينه كي يقتنع بأنه مبني على أساطير, كما انه لا يحتاج أن يكون خبيرا بالفيداVeda  لكي يقتنع أن تقديس البقرة أمر مضحك. لكن عدم الإعتقاد بوجود خالق هو موضوع مختلف تماما و يحتاج لأكثر من ذلك. يقول  سام هاريس Sam Harris بموضوع “عشرة اساطير و عشرة حقائق بخصوص الإلحاد”**** 10Myths and 10 Truths About Atheismمستعيناً بالإحصاءات الأمريكية كمثال, “معظم الإحصاءات تبين أن 90% من الشعب الأمريكي يعتقد بوجود إلاه: و لكن 93% من الأعضاء في الاكاديمية الوطنية للعلوم لا يعتقدون بوجود إلاه.” و هذه نسبة كبيرة من العلماء بما لا يمكن التغاضي عنها في الدلالة على أن هنالك معادلة طردية بين العلم و الإلحاد. فعندما يقول أكبرعلماء الفيزياء, مثل ستيفن هوكنغ Stephen Hawking مثلا و يسانده لورانس كراوس Lawrence Krauss و غيرهم من كبارعلماء الفيزياء النظرية اليوم بأن الكون ممكن أن يوجد من العدم, و يقوم جيش من العلماء التطبيقيين بتمثيل ذلك فيزيائيا و رياضيا بالحالة الكمية (و التي هي حالة الكون في بداياته) فهذا يعني أن الكون لا يحتاج لفاعل كي يخلق. و كذلك عندما يقول علماء البيولوجيا بأن كل الكائنات تطورت من الحساء الجرابي الأوّلي, فهذا يعني أن قصة أدم و حواء لا تختلف عن قصة ليلى و الذئب. و عندما يقول علماء النيوروساينس بعدم وجود شيئ إسمه روح  و أن ما يسمى بالروح مجازا ما هو إلا الوعي  و الوعي هو وظيفة الدماغ, و بموت الدماغ يموت الإنسان. فهذا يدعو لإعادة النظر بالمعتقدات القديمة. هذا بالأضافة لأستحالة حدوث حالات مثل إعادة الطير للحياة في قصة إبراهيم و نوم أهل الكهف ثلاثمئة سنة دون أن تتخلل عظامهم و مكوث يونس في بطن حوت دون أن يهضم و يصبح غذاء لسمك الزبال. كل هذه الأمور تهدم المنظومة الفكرية التي تربى عليها الشخص- على إفتراض أن معظم الناس ولدوا على ديانات أبائهم- و تفرض عليه إعادة النظر بمفاهيمه و قد تؤدي به إلى الربوبية أو البانثيزم إن لم يكن للإلحاد.

بل العكس هو صحيح. فالشخص ممكن أن يترك الدين بسبب تناقضات النصوص الدينية, أو بسبب هرطقات رجال الدين, فالشخص لا يحتاج أن يكون عالم دين و يعرف كل صغيرة و كبيرة في دينه كي يقتنع بأنه مبني على أساطير. كما انه لا يحتاج أن يكون خبيرا بالفيدا Veda لكي يقتنع أن تقديس البقرة أمر مضحك, لكن عدم الإعتقاد بوجود خالق هو موضوع مختلف تماما و يحتاج لأكثر من ذلك. يقول عالم النيوروساينس – See more at: http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?aid=392703#sthash.yeVnxheU.dpuf Sam Harris بموضوع “عشرة اساطير بخصوص الإلحاد”****   10Myths and 10 Truths about Atheism مستعيناً بالإحصاءات الأمريكية كمثال, “معظم الإحصاءات تبين أن 90% من الشعب الأمريكي يعتقد بوجود إلاه: و لكن 93% من الأعضاء في الاكاديمية الوطنية للعلوم لا يعتقدون بوجود إلاه.” و هذه نسبة كبيرة من العلماء بما لا يمكن التغاضي عنها في الدلالة على أن هنالك معادلة طردية بين العلم و الإلحاد. فعندما يقول أكبرعلماء الفيزياء, مثل ستيفن هوكنغ Stephen Hawking مثلا و يسانده لورانس كراوس Lawrence Krauss و غيرهم من كبار علماء الفيزياء النظرية اليوم بأن الكون ممكن أن يوجد من العدم, و يقوم جيش من العلماء التطبيقيين بتمثيل ذلك فيزيائيا و رياضيا بالحالة الكمية (و التي هي حالة الكون في بداياته) فهذا يعني أن الكون لا يحتاج لفاعل كي يخلق. و كذلك عندما يقول علماء البيولوجيا بأن كل الكائنات تطورت من الحساء الجرابي الأوّلي, هذا يعني أن قصة أدم و حواء لا تختلف عن قصة ليلى و الذئب. و عندما يقول علماء النيوروساينس بعدم وجود شيئ إسمه روح  و أن ما يسمى بالروح مجازا ما هو إلا الوعي  و الوعي هو وظيفة الدماغ, و بموت الدماغ يموت الإنسان. فهذا يدعونا لإعادة النظر بالمعتقدات القديمة. هذا بالأضافة لأستحالة حدوث حالات مثل إعادة الطير للحياة في قصة إبراهيم و نوم أهل الكهف ثلاثمئة سنة دون أن تتخلل عظامهم و مكوث يونس في بطن حوت دون أن يهظم و يصبح غذاء لسمك الزبال. كل هذه الأمور تهدم المنظومة الفكرية التي تربى عليها الشخص- على إفتراض أن معظم الناس ولدوا على ديانات أبائهم- و تفرض عليه إعادة النظر بمفاهيمه و قد تؤدي به إلى الربوبية أو البانثيزم إن لم يكن للإلحاد.  

9-الملحدين ماديين و ليسوا روحانيين.

نحن خلقتنا و بيئتنا مبنية على المواد و لا إستغناء لأي كان عن هذه المواد. و من يقول أن الملحد مادي فعليه أن يسأل نفسه, مقارنة بمن؟ بالمؤمن؟ فهل المؤمن يذهب لعمله راكبا الجمل أم يسافر على براق؟ المادة اليوم هي اساس الحياة و لا يوجد إنسان غير مادي. فهل هناك من يستغني عن التكييف و الكمبيوتر و الغسالة و النقال و و و. بل حتى البيت أو الخيمة. كل هذه الأشياء ما هي إلا مواد. يقول الفلكي الملحد الراحل كار ساجان Carl Sagan في برنامجه التلفزيوني الشهير كوزموس Cosmos, ” الروح كلمة أصلها لاتيني و تعني التنفس. و ما نتنفسه هو هواء و الذي هو بالتأكيد مادة مهما بلغت درجة دقته. و على الرغم من الإستخدام (الشائع) و المتناقض لمعنى الكلمة, فلا يوجد بالضرورة أي معنى ضمني لكلمة الروحانية خارج نطاق  كونه صفة للمادة, سواء كانت هذه المادة هواء أو دماغ (الذي يدير عملية التنفس) و الذي هو أيضا مصنوع من مادة. إذا فالروحانية ليست خارج نطاق العلم (أي لا علاقة لها بالميتافيزيقيا). فالعلم ليس فقط موائم للروحانية, بل هو أساسا منبع الروحانية. وعندما ندرك مكاننا (المتواضع) نسبة لضخامة السنوات الضوئية و مرور الأزمان و ندرك مدى دقة و تعقيد الحياة, نشعر بنشوة الاحساس المصاحب للتحليق والسمو و الخشوع في آن واحد, فهذا الشعور بالتأكيد روحاني. و هو يصف عواطفنا أمام فن راقي أو موسيقى أو أدب. أو عندما نواجه أعمال يضرب بها المثل بالشجاعة…ومفهوم أن العلم و الروحانية يستثني أحدهم الأخر بصورة تبادلية يضر (مفهوم) الأثنين.” أما حب جمع المال فلا يعرف ملحدا أو مؤمنا فكل من استطاع إلى ذلك سبيلا فإنه سيقوم بجمعه. بل أكثر الجمعيات “الخيرية” التي كُشفت بها التلاعبات المالية هي مبرات الخير الإسلامية. و نظرة واحدة لقصر البابا-الفاتيكان- و ملابسه و ملابس حاشيته كفيلة بدحض هذه المغالطة.

في أحدى مقابلاتها التلفزيونية قالت أوبرا ونفري Oprah Winfrey لضيفتها, السباحة الملحدة دايانا نايد  Diana Nyadو التي كانت قد إجتازت المسافة من كوبا إلى فلوردا سباحة “إنت لست ملحدة إن كنت قد شعرت بالرهبة و الإجلال أمام البحر الشاسع.” فردت عليها الأخيرة بأن “العالم لا يحتاج لأن يكون وراء خلفه شخص خيالي كي نشعر بالإجلال و الرهبة تجاهه.”  و ما فعلته أوبرا كان له صدى كبير بين الأوساط الفكرية المختلفة. فهناك من ساندها فيما ذهبت إليه على أن الإحساس بالإجلال و الإكبار هو شأن متعلق بالروح و الدين. و إن كان الملحد لا يعترف بوجود روح-أو هكذا هم الأغلبية من الملاحدة- فكيف له أن يشعر بالإجلال و الرهبة و السمو بالنفس إلى مرتبة الروحانية؟ و هناك الفريق الأخر من الكتاب الملاحدة  ممن إستشاط غضبا لجملة أوبرا و طلب منها الإعتذار الرسمي لما بدر منها*****.  و يرى هؤلاء أن الدين إستغل طبيعة إنسانية متمثلة بتجربة الإحساس بالسمو النفسي عند مشاهدة ما يدعو للدهشة و الجمال في الطبيعة و نسبه لنفسه. و كون هذا المسمى “الروحانية” متعلق بكلمة “الروح” لا يعني بالضرورة أنها تنسب إلى شيئ خارق أو خارج نطاق الطبيعة و العلم.

وبالنهاية لا يصح أن نترك هذا الجزء و الخاص بالروحانيات دون أن نذكر مقولة لسام هاريس Sam Harris- و هو الأكثر روحانية من بين الفرسان الأربعة  للملحدين بالتاريخ الحديث: سام هاريس, كريستوفر هيتجينز Christopher Hitchens, ريتشارد داوكنز Richard Dawkins, دانييل دانيت Daniel Dennet- بهذا المجال من كتابه “نهاية الإيمان” End of Faith حيث يقول, ” التأمل (بالكون) مشروع عقلاني. و المتأمل يدرك أن طبيعة الأشياء تكون بالوعي بها و الذي  يأتي قبل التفكر بها. فيعرض هذا الإدراك أو الوعي للمناقشة الفكرية العقلانية. و كل متأمل له أسباب خاصة لإعتقاداته الشخصية و التي ترجع لتجاربه الذاتية. فالغامض من الأمور بهذا العالم ممكن تحليله و إيجاد مفاهيم خاصة به (و هذا يسمى علم), أو ممكن أن يجربه الشخص دون قدرة على وضع مفاهيم خاصة له (و هذا يسمى تصوف). أما الدين (و بالتالي زجه بهذا الموضوع) فهو ليس أكثر من مجموعة مفاهيم سيئة إحتلت مكان مفاهيم جيدة لكل زمان. إنه إنكار – بسبب الأمل (الكاذب) و الخوف بنفس الوقت- لمدى إتساع التخلف البشري (في فهم ماهيته).

10- مشكلة الملحدين أنهم لا يفهمون الدين أو فهمهم للدين سطحي كونهم ينتقون ما يناسب أهوائهم. و لذلك فهم إنحرفوا عن الطريق الصحيح :

للأسف لا توجد إحصاءات في الدول الإسلامية لبيان صحة أو خطأ هذا الإدعاء  و هذا شيئ متوقع من شعوب تعودت على رمي من يخالفها بالإتهامات دون أدلة ترتكز عليها. فيكفي أن يقول خطيب بالمسجد هذه الجملة حتى ترى البقية يرددونه و كأنه أصبح قرأنا. لكن هذا لا يمنع من اللجوء لإحصاءات الدول التي تقوم بهذه الإحصاءات لإختبار مدى صحة هذا الكلام بصورة عامة. ففي سبتمبر 28 سنة 2010 قامت بيو للأبحاث الأمريكية Pew Research Center بعمل مسح ميداني لعينة متساوية من مسيحيين بروتستانت من الجنس الأبيض و من الجنس الأسود و مسيحين كاثوليك من الجنس الأبيض و من اللاتينيين و من المورمن و اليهود و الملحدين و المشككين من خلال عمل الإختبارات الدينية. فتبين أن الملحدين و المشككين إحتلوا المركز الأول و يليهم اليهود و أخر من إحتل القائمة****** كان الكاثوليك اللاتينيون. و بالمناسبة هؤلاء هم أكثر الناس تدينا و كنائسهم بالعادة عامرة بالحضور.

و رجوعا للمسلمين الذين يدعون أن الملحدين لا يعرفون الدين الصحيح: الملاحظ بالموضوع أن كل مجموعة أو حزب أو مذهب- و ما أكثرهم- بالواقع لا  يعترفون بصحة المجموعة الأخرى أصلا و بعضهم يكفر البعض الأخر. أما ما يدعونه بأن الملحدين ينتقون ما يناسب أهوائهم فهل هم يفعلون غير ذلك؟ هل يوجد بينهم من يتجرأ بإخضاع نصوص الكتب المقدسة للتحليل و النقد بالإسلوب العلمي الصحيح كي يبين للجمهور صحة إدعاءاته؟ إن المشاهد لأي مناظرة بين متدين و ملحد لا يفوته ملاحظة كبر الفجوة الثقافية بين الإثنين و خصوصا عندما يتطرق الموضوع للعلوم الطبيعية و المنطق, فسرعان ما ترى المؤمن يحيد عن مسار النقاش, صابا على ناره الحامية زيت الآيات القرأنية و الخزعبلات الماورائية و التي لا يفهمها لا هو و لا جمهوره الذي يحرك رأسه بالموافقة, فيضع حدا للنقاش.    

 

*

http://www.youtube.com/watch?v=OPU7UIP41Nc

**

http://www.cnn.com/2008/WORLD/meast/02/01/iraq.main/

***

http://www.theguardian.com/world/2013/nov/11/sweden-closes-prisons-number-inmates-plummets

****

http://www.samharris.org/site/full_text/10-myths-and-10-truths-about-atheism1

*****

http://www.theblaze.com/stories/2013/10/17/atheists-want-an-apology-from-oprah-over-her-on-air-revelation-about-non-believers/

******

http://www.pewforum.org/2010/09/28/u-s-religious-knowledge-survey/

2013 in review and Happy Birthday to me

The WordPress.com stats helper monkeys prepared a 2013 annual report for this blog.

Here’s an excerpt:

The concert hall at the Sydney Opera House holds 2,700 people. This blog was viewed about 18,000 times in 2013. If it were a concert at Sydney Opera House, it would take about 7 sold-out performances for that many people to see it.

Click here to see the complete report.

أثرالدين الحق في نشر ثقافة الحمق

كم هو مؤلم لكل مراقب للساحة العلمية بالدول العربية/الإسلامية ملاحظة تقهقهر العلم في مقابل إنتشار الجهل بصورة مضطرده نمطية  ومبرمجه طبيعيا. و للأسف ليس هناك أمل في تغيير هذه الحالة السائدة في هذه المجتمعات و ذلك ليس لخلوها من مقومات النبوغ العلمي  و الادوات التقنية بقدر تشبثها بالاساسيات و الاساليب الخاطئة في طلب العلم.

فهذه المجتمعات-كغيرها- كانت بداياتها بالتحصيل الفلسفي (على إعتبار أن الفلسفة تشمل جميع العلوم مجتمعة كالرياضيات و الفلك و العلوم الفيزيائية و العلوم الاجتماعية و السيكلوجية والبيولوجية و الخيميائية و غيرها) في دور العبادة والمساجد. و من الطبيعي أن تعتمد هذه الجهات على الكتب الدينية و تفاسيرها و كتب علماؤها و فلاسفتها كدساتيرعلمية  ومساطر ثابتة لقياس أية معلومة فيزيائية أو اجتماعية أو سيكولوجية أو حتى إقتصادية. وأن تتبني الإسلوب البدائي في فرض إسلوب النقل الشفهي المعتمد على الحفظ و الترديد. وأن تستخدم إسلوب العصى و الجزرة –فلقة- في تربية النشىء. وأن تفرض إحترام المعلم, لدرجة تقترب من التقديس, إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة- كالتلاعب سيكلوجيا بعقل المتلقي عندما يكون جالسا بمستوي انزل من الخطيب, ذلك التأثير الذي يبدو جليا في هذا البيت الشعري لأمير الشعراء أحمد شوقي “قم للمعلم وفه التبجيلا, كاد المعلم أن يكون رسولا”.

هذ الإسلوب للاسف لم يتغير حتى بعد إنشاء المدارس النظامية. كل ما تغير كان ظاهريا و ماديا. المباني تغيرت و الكتب تغيرت و حتى الوجوه و الأزياء تغيرت, لكن الأساس المنهجي لم يتغير. فنجد كتب العلوم و الاجتماع و التاريخ و الرياضيات بل جميع الكتب المقررة لا تخلوا من الأيات الدينية و الأدعية. و نرى طريقة توزيع العلامات لا تعتمد على فهم التلميذ للمادة بل على مدي حفظ النص وترديد الإجابات النموذجية التي توزع عليهم من قبل مدرسيهم أو يشترونها منهم. و نرى الطلبة يقومون إحتراما للمدرس عندما يدخل الفصل و لا يناقشونه طوال الحصة إن لم يقم المعلم بسؤالهم. و ناهيك عن ضرب المدرسين للتلاميذ وإهانتهم لزرع الرهبة في قلوبهم و فرض الإحترام عليهم فرضا– قامت بعض الحكومات مؤخرا بمنع ذلك.

و هذا الاسلوب الذي تفرضه المدارس لنشر العلوم لا ينتهي دوره بالمساجد و دور العبادة و الحسينيات أو المدارس, بل تعدي ليدخل كل بيت عن طريق الإعلام و الشبكات الاليكترونية. فهذه المجتمعات لا تفرق بين العالم و رجل الدين, فكل من صعد منبرا لقب بالعالم. و كل من قدم برنامج ديني صار علامة حتى لو كان أمي. فما بالك إن كان هذا العالم يحمل لقب دكتور قبل إسمه! الناس هنا لن تستفسر عن تخصصه و الجامعة التي أعطته هذا اللقب لأنها لم تتعود على البحث و التأكد و الإعتراض و النقد. فهذه الأمور جميعها جديدة عليهم. يكفي أن يقدم خطبا رنانة حتى توافقه  على كل ما يقول بل حتى تردد ما يقول أو تعمل نسخ/لصق و ترسله  دون التأكد من المعلومة أو من مصادرها.

و على هذا الأساس صعد نجم علماء الدين في الاعلام العربي /الاسلامي على حساب علماء التخصصات العلمية. فنرى من يقدم المادة العلمية على شاشات التلفزيون أو عبر اليوتوب هم رجال الدين و ليس علماء الفيزياء أو الكيمياء أو الاحياء أو الاجتماع أو النفس. و ضاع التخصص العلمي بين من يحمل هذا التخصص و من يدعي بمعرفة كل شيئ. و الأمثلة على ذلك كثيرة كبروز نجم د. زغلول النجار و د. محمد العوضي و غيرهم. كما أن من يحذو حذوهم و يتغلب معرفيا عليهم بإزدياد مضطرد و مثال على ذلك هو د. عدنان إبراهيم و الذي صار يشكل علامة زمانه بالنسبة للكثيرين.

هؤلاء لا يستحقون إلا لقب علماء الجهل. فهم يتبعون نفس الطريقة البدائية في نشر المعلومة العلمية . هم يوهمونك بأنهم ينشرون العلم حسب تقدمة و تعقداته الزمنية ليس ليوسعوا مدارك الملتقي و يزيدوا فهمه للظواهر الطبيعية, بل كي يضربوا العلم في مقتل و يثبتوا ما جاء في كتبهم البالية ليتأكدوا من سيطرتهم على العقول التي قد تقرأ في هذه العلوم و تشك بمنهجهم المبني على الكرامات و الخوارق و علومهم الماورائية و التي تناقض العلوم الطبيعية. و لا أجد مثالا أفضل لهؤلاء من رجال الدين الذين يستخدمون الديموقراطية ليقضوا عليها. هؤلاء يقومون بذات الشئ مع العلوم الطبيعية ليقضوا عليها, حفاظا على دينهم.

و لأبين هذا الشئ بصورة أدق سأورد هنا مثالا على فيدوكليب بعنوان,”د. عدنان ابراهيم: شرح معجزة نقل عرش بلقيس بفزياء الكم”. فهذا الفيديو وصلني بالبريد الإليكتروني و اليوتوب و الفيسبوك و من كل جهة حيث يدعي فيها الدكتور عدنان إبراهيم أنه”لأول مرة نحل المعضلة التي كرت رأس إبن سينا و إبن رشد و حامد الغزالي و العلماء الذي ما عرفوا يحلوها.”

فبعد البسملة و الحوقلة المعتادة و ترديد بعض اللأيات ليهئ الأجواء و العقول لرهبة و تعظيم المحاضرة العلمية و إلباسها القدسية. يقول الدكتور عدنان عن الإمام بديع الزمان سعيد النورسي “معاجز الأنبياء و آياتهم في كتاب الله تبارك و تعالى هي وعد للبشر بأنهم بإذن الله سيبلغون مثلها بالاسباب و العلم, إعطيت للأنبياء من غير اسباب” ثم يؤكد”هكذا… كن فيكون. البشرية تبلغ هذه في قابل الأيام بالعلم و الفكر و النظر. و الآن  تقريبا كثير جدا من معاجز الأنبياء تحقق العلم منها و أحيانا ابلغ منها.”

صحيح؟ كيف ذلك يا دكتور عدنان؟ كيف تحقق العلم من المكوث في بطن الحوت-بطن الوحش في الفلوكلور البابلي- لمدة ثلاثة أيام كما كانت معجزة النبي يونس ممكن  دون أن ينهضم و يصبح طعاما لسمك الزبال؟ ما هي الميكانيكية البيولوجية التي بإمكانها أن تؤكد هذه المعجزة؟ و كيف تحقق العلم بأن وجود سفينة واحدة تستوعب عشر بليون نوع من الحيوانات هي مسألة طبيعية ممكنة في زمن نوح-و زمن جلجامش قبله- ثم ما هو التفسير العلمي لوجود بعض هذه الحيوانات في قارات دون غيرها كالكنغر في إستراليا؟

ثم يقول الدكتور عدنان, ” ألبرت أينشتاين, صاحب النظرية النسبية…يقول  ليس أعجب شيئ أن نفهم الأشياء الصعبة…أعجب شيئ أننا نفهم أي شيئ.” و فسر كلام أينشتاين بأنه يعترف بأنه مهما بلغ حجم دماغك فلن تفهم أي شيئ. ثم يقول أن النملة تفهم أشياء عديدة. فهي” موحدة و تعرف…حتى الفيروس(نصف حي نصف ميت) يتماكر على البشر فيعجزهم و يلتف على أساليبهم.”

أولا لا أعلم لماذا يصر رجال الدين, سواء مسلمين أو غيرهم بزج إسم أينشتاين في كل محاضرة دينية؟ و لماذا يغالطونه دائما؟ فعندما قال أينشتان أن “أعجب شيء أننا نفهم أي شيئ” لم يكن يقصد ما قاله دكتور عدنان بقصور الدماغ عن فهم الأشياء, بل أغلب الضن أنه كان يقصد العكس, أي أن أينشتاين منبهر بقدرة العقل على الإستيعاب و إلا ما كان قال “أكثر شيئ غير مفهوم عن العالم أنه مفهوم.” أما قصة النملة و معرفتها بالأشياء و الذي فسرها د. عدنان بأنها موحدة و تعرف – هكذا دون إبداء أي تفسير علمي- فهي بالواقع مضحكة لدرجة البكاء. و لو كان الدكتور عدنان كلف نفسه بقراءة نظرية النشور و الإرتقاء عن طريق الإختيار الطبيعي لوجد التفسير العلمي لكيفية تطور النملة و إكتسابها الوعي الخاص بنوعها في محاولاتها للبقاء. و لفهم كذلك كيف يقوم الفيروس بإعادة خلق نفسه بصورة تتغلب على المضاد الحيوي و بإستمرار . و لما فسرها بقوله “كلها هدايات و إلهامات”. فكتب العلوم لا تعترف بال”هدايات” بدون دليل مادي منطقي تجريبي واضح لهذه ال “الهدايات”. و تأخذ بالتفسيرات الأكثر إحتمالا.

 ثم يقول د. عدنان,” أحسن شيئ للفهم و العلم و النور  أن نتقي الله تبارك و تعالى. و أكثر شيئ يظلم الذهن و القلب و الروح هو المعصية و البعد عن الله و المهالك الباطنية” ثم يستند إلى حديث أخرجه أحمد يقول ” من قارف ذنبا فارقه عقله بمقدار ذنبه, لا يعود إليه.”

هنا واضح جدا كيف يقوم د. عدنان بإستخدام إسلوب العصى و الجزرة مع مستمعيه ليس ليقنعهم بالمنطق العلمي و العقلي كما يدعي و لكن لفرضه عليهم. فملخص كلامه هو أنك إن أمنت بالله و عملت واجباتك الدينة كما فرضت عليك فستفتح لك مجالات المعرفة دون تعب أو دراسة و إن لم تفعل ستصبح معتوها حتى لو درست و تخصصت بعلم الصواريخ. يا له من منطق غريب يأتي من رجل يعتبره الكثيرون عالم.

ثم يتكلم د.عدنان عن موضوع نقل عرش بلقيس و كيف ان الفيزياء الكمية أثبت بالتجربة أن ذلك ممكن. و كيف أنه من خلال العشرة أو الخمستة عشر سنة الماضية “بدأت تباشير هذه العلوم لنا” و أن “هذه المعجزات للأنبياء و الخوارق (المعلنة بالكتب الدينية) هي تحصين في كل زمان و مكان عن أن يفتتنوا (الناس) بالعلم و أن يصيروا ذوي نزعة علموية… و يجعلوه منهجهم الوحيد. فكل ما أثبته العلم يؤمنون به و كل ما أنكره العلم ينكرونه. و كل ما عجز عن تناوله العلم أيضا ينكرونه.” ثم يزيد بقوله “عجيب…بعض الناس بلغ بهم الحمق أن يجعل المقارنة لأي موضوع هو العلم. موضوع الدين, الملائكة, الجن, الآخرة , الجنة التي تتعارض مع العلم لا يستطيع أن يتعامل معها.

بل من الحمق يا دكتور أن نعتقد بكل شيئ يمليه علينا الأولون دون التفحص و التأكد بالبراهين التجريبية و التي تستند أنت بنفسك عليها بالفيديو لإثبات وجهة نظرك. الإدعاءات العظيمة تحتاج لإثباتات أعظم. و لا يمكن لأي نظرية علمية أن تنشر بالأوساط العلمية و تدرس بالجامعات العالمية دون أن تتعرض للعديد من التجارب و بأماكن و أزمنة مختلفة. و كلما تحملت النظرية تقلبات الظروف و الزمن دون أن تتغير نتائجها كلما زادت الإحتمالات بصحتها. فلماذا تتوقع منا ألا نعامل الإدعاءات الدينية مثل “كن فيكون.” أو “خلق الإنسان من طين.” بنفس الطريقة العلمية من الفحص و التجربة و البرهان؟ المسألة ليست مسألة الإفتتان بالعلم, كما تريد أن توهم الناس, المسألة مسألة إستخدام أو إلغاء العقل. فموضوع الملائكة و الجن و الأخرة و الجنة كلها مواضيع لا تخرج عن نطاق الإدعاءات. و يتحتم علي رجال الدين من أمثالك كواجب أدبي و ديني, بدلا من ضياح الوقت بالنظرية الكمية و التي لا يفهمها حتى واضعيها من العلماء, هو تقديم ما يساندها من براهين لإقناع الناس بها.

ثم يقول ” هذه المعاجز تقول لنا: على المرء ألا يفتتن بالعلم لأن العلم و إن قدر على أشياء بأسباب مدروسة فلقد قدر عليه الله قبل ألوف من السنين” ثم”يجب أن نحترم العلم و أن نخلق منه منهاجا علميا في أمتنا العربية/الأسلامية.”

لا أعلم بصراحة أي علم يدعو له الدكتور و يطالب بمنهجته في حياتنا, فهل هو العلم الديني المنقول, أم العلم الطبيعي المبني على التجربة و البرهان و الذي إزدراه بالجمل السابقة؟ بصراحة لا أرى غير تناقض.

ثم يقوم الدكتور بشرح النظرية الكمية للتيليبورتيشنTeleportation  أو النقل الآني للجزيء التحت الذري عن بعد بعد شرح سطحي للنظرية الكمية. و ذكره بأن العلم أثبت إمكانية نقل الشيئ من مكان لآخر, ليس هو بذاته و لكن بنقل معلوماته بدقة, بحيث يتم إعدام الجزيئ من مكانه الأصلي و إعادة خلقه بالمكان الآخر بنفس اللحظة.  و هلل بعد ذلك ذاكرا بأنه  قام العلماء باستراليا بعمل تجربة ناجحة في نقل رزمة أشعة ليزر من مكان إلى مكان أخر بعد إعدامها في المكان الأصلي و إعادة خلقها بالمكان الآخر. أي أن النظرية الخاصة بالنقل الآني للجزيئات تم إثباتها نظريا و عمليا. و من ثم قام بمقارنة ذلك بما قاله إبن العربي قبل سنين عن عرش بلقيس,” أصف بن برخيا أعدم العرش في مكانه في سبأ و أعاد إنجازه عند سليمان بنفس اللحظة. و زمان إعدامه هو زمان إنجازه و ليس زمانين.” و إستطرد قائلا ” هذا هو العرفان بالله…إبن العربي لم يحتاج ليدرس الفيزياء الكمية. هو كان فاهم الكلام بالمكاشفة و العرفان.

هل أنا لوحدي من يرى التناقض بكلمات الدكتور أعلاه؟ كيف يهلل بنجاح التجربة نظريا و عمليا و بنفس الوقت يطلب منا الإقتداء بإبن العربي الذي لم يدرس و لم يجرب و لكن عرف كل شيئ…هكذا…بالمكاشفة؟

أولا ما ذكره عن الفيزياء الكمية لا يمكن تسطيحه بالصورة المختزلة التي ذكرها بالفيديو و حتى علماء الفيزياء الكمية لا يتوقعون أن يفهمها أو يفهم طبيعة تصرف الجزيئات ككتل أحيانا و كموجات أحيان أخرى.و المجال العلمي لا يكتفي بتجربة واحدة أو إثنتان أو عشرة حتى يقول ” أها وجدتها” بل هو عمل مستمر محاط بالشكوك و التجارب العديدة. و هذا هو الفرق بين العقلية العلمية المتشككة و العقلية الدينة الناقلة و المرددة. فما تم تجربته حتى الآن لا يعتبر إلا أول الخطوات الطفولية في مجال التيليبورتيشن. و هي تتم بالمستوى ما تحت الذري يعني لم يتم إثبات إمكانية نقل القلم مثلا من مكان لآخر و بنفس اللحظة دون فقد المعلومات المهولة الخاصة بالقلم. نحتاج وقت كبير لعمل ذلك و قد لا يتحقق. و هذا هو جمال العلم: لا يوجد شيئ مؤكد.

فمتى يفهم علماؤنا ذلك و يريحونا من جهلهم؟

 

الفيديو:

http://www.youtube.com/watch?v=awOBmturboc

حوار الطرشان الفلسفي

في فسحة ضليلة بسوق لاإنترادا جلسا على كراسي حديدية. هو يحتسي الكابوشينو الذي يحبه ساخنا بدون سكر و يقرأ كتابه بإستخدام اللابتوب المفتوح أمامة على المنضدة الحديدية. و هي تشرب شراب الشاي الأخضر البارد كما تحبه على كومة كبيرة من الثلج و بنكهة الفاشين فروت و الياسمين و بدون سكر و تقرأ كتابها مستخدمة  الأيباد. “كم نحن متشابهان على الرغم من عظم إختلافاتنا!” فكرة سرحت بها خيالها و هي ترفع رأسها عن الكتاب ناظرة صوب محال الماركات العالمية أمامها.

قال لها بعد أن رفع عينه هو الآخر عن كتابه, و الذي يبدو أنه أحد الكتب الدينية التي يداوم على قراءتها, “أتعلمين أن الله له دلائل و شواهد بكل شيئ في الكون لكن هذه الدلائل لا يراها إلا المؤمن. و هذه هي المعجزة الحقيقية.”

فقالت له مازحة, “اللي يخاف من العفريت يطلع له.” ثم إستدركت, ” ما يشهده المؤمن هو خيال لأنه مبني على رؤية فردية و ليست رؤية جماعية.فكما…”

فرد عليها مقاطعا, “لا فرق بين الخيال و الواقع لأنه بالنهاية يعتمد على تفسير أدمغتنا لما نراه بالخارج. فالسمكة  التي تسبح في الحوض البلوري في وسط الغرفة يكون منظورها للأبعاد بالغرفة دائري المنشأ و ليس كما هو بالواقع. و هكذا هي أدمغتنا لا تفسر الأشياء بذات التطابق. فقد يكون ما نراه بالخارج ليس كما هو بالواقع”

فأجابت معترضة, “هذا صحيح عندما نقارن منظور السمكة بمنظور شخص بالغرفة. لكنه لا يطبق على منظور شخصين بالغرفة, فإن لم تفسر أدمغتهما الغرفة بذات التطابق فهذا يعني أن أحدهما على الأقل يتخيل الشيء و لا يراه.لكن إن تطابقت الرؤيتان فهذا يعني أن الشيء موجود بالفعل في الخارج.” ثم عدلت من جلستها قليلا و واجهته قائلة, ” أعطيك مثال عملى، هذه الطاولة الحديدية التي نجلس إليها, لها نقوش بشكل الباذنجان الذهبي, أنت تراها كما أراها أنا و إن إختلفنا بالوصف الدقيق فهذا مبعثه منظور كل منا أو الجهة التي ينظر كل منا إليها و إنعكاس الشمس و مقدار الظل و هكذا. لكن مع ذلك لن نختلف نحن الإثنان على وجود الطاولة. و هنا يكون ما نشهده نحن الإثنان واقعاً و حقيقة. لكن تلك القطة البنفسجية التي تراها تحت الطاولة فلا أراها أنا مهما تعبت بوصفها. فإننا لن نتفق على وجودها لأن مكانها ليست تحت الطاولة لكنه في مخيلتك.

و هنا أخذ نفس طويل يحاول أن يجد طريقة ليشرح لها وجهة نظره مستخدما العلوم التي كرس عمره لدراستها, ” لننظر إلى الأشياء بدقة أكبر و ليس بسطحية؛ أليست الطاولة و جسمي و جسمك و هذه الشجرة و كل ما حولنا ذرات و كواركات و فراغ؟ أليست عقولنا هي التي تشكل هذه الذرات بالأشكال التي نراها؟ فكما أحسبك تعلمين أن لكل منا صور تراكمية في أدمغتنا و ما نراه من صور في الخارج نقوم بتطابقها مع ما هو مخزون بذاكرتنا من صور تراكمية بثقافات و عقائد بيئية و غيرها لكي نستطيع تفسيرها. المؤمن في هذه الحالة يفسر ما يراه بالخارج بتطابق الصور مع التراكمات العقائدية التي تعب في تكوينها عن طريق العبادات فتتجلى أمامه الحقائق فيرى ما لا يراه الكافر”

فقالت له معترضة, ” كون كل الأشياء حولنا ذرات و كواركات و فراغ فهذا صحيح بالمجال الكمي أما في مجالنا فهي بالصور التي نراها بها. أو على الأقل ما نتفق على رؤيته نحن الأثنان حتى لو كان مختلفا بالواقع, فهو بالنسبة لنا هو ذات الواقع لأن المسألة نسبية. فتفسير عقولنا للصور الخارجية ليس عشوائيا بل يلتزم بالنمطية، و إن لم يكن كذلك فكل منا سيري الشيء بصورة مغايرة عن الآخر. و مهما تكن الصورة الخارجية فهي بالنهاية في مجالنا بالوسط بين الذري و الكوني ولا يطبق عليها الفيزياء الكمية.”

فقاطعها معترضا, ” و لم لا فجميع المجالات تتداخل و تكون بالنهاية العوالم التي تتصل ببعضها بأوتار من الجاذبيات تجمعها بنظرية واحدة تصلح لجميع المجالات.”ثم إردف قائلا, “من يؤمن يفتح الله قلبه فيري ببصيرته ما يقوم العلماء بإثباته نظرياً. على عكس الكافر و الذي يريد أن يرى بحواسه الخمس كل شيء حتى يصدق مع أن هذه الحواس تكون خادعة في أكثر الأحيان. فمثلما هناك أوتار لا يمكن أن ترى أو أن نشعر بها مع عظم دورها في حفظ النظام الكوني فلابد من وجود من هو خلقها و أعطاها هذه الوظيفة. و هكذا فهذا الخالق موجود في كل شيء حولنا و من السهولة رؤيته إن كان الشخص مؤمناً لأنه لا يتجلى إلا لمن يصل إلى درجات عالية من الإيمان. و هذه هي النقطة التي أردت توصيلها.”

و هنا نفذ صبرها فقالت له, ” بدأ نقاشنا علمياً و إنتهى بالسيدو ساينس -أي العلم الوهمي- فأنا لا أحسبك  كالدجال ديباك شوبرا و الذي يبيع جمهوره الفيزياء مخلوطا بالميتافيزياء للكسب السهل على أكتاف جمهور يدفع المال لمن يؤكد إيمانه و كأنه في شك من أمره و يريد المزيد من الإثباتات. فشوبرا “عيار”-دجال- و رزق العيار على المجانين. و أكون شاكرة لك لو إحترمت عقلي و إلتزمت بالنقاش العلمي كما بدأنا.”

ثم إردفت قائلة, ” أولا القلب ليس به جهاز أو ميكانيكية للرؤية و ليس من وظيفته أصلا الرؤية. فالرؤية من إختصاص العين و الأعصاب المتصلة بالمخ و هذه وظيفته.أما القلب فوظيفته ضخ الدماء بأنحاء الجسم لإستمرار الحياة.

ثانياً من يريد الدليل العلمي و خصوصاً إن كان إجنوستيا متشككا حتى بنفسه مثلي  فهو لا يلجأ للحواس فقط بل أيضاً للقياس و الإثبات, ليس فقط بالتجربة و لكن أيضاً بتكرار التجربة و الحصول على نفس النتائج بكل مرة. فكما ذكر ريتشارد داوكنز في كتابه “أعظم مسرحية على وجه الأرض”، أن النظرية “كلما إستطاعت تحدي الزمن و العراقيل كلما أصبحت أقرب للواقع”. و أنا أتعامل مع الواقع. أما الخيال فله جانب آخر في حياتي أتسامى به و أنا أحلق على الأجنحة الوهمية في عالم الأشعار و قصص الساينس فكشن، لكني لا أخلطه أبداً بالواقع و خصوصاً عندما يتعلق ذلك بالمسائل العقائدية. و ثالثاً كيف ممكن أن يكون الخالق في كل شيء حولنا و هو ليس جزءاً فيزائياً من عالمنا و مع ذلك يراه المؤمن؟ (أي أن ما هو من هذا العالم الفيزيائي يتصل بالرؤية بما هو خارج هذا العالم – ميتافيزيائي). و لم لا يكون هذا محض خيال فكما تعلم أن عقولنا لديها قابلية هائلة في عمل الأنماط في كل شيء. إنظر إلى السحاب لفترة لتري كيف يتشكل أمامك بنمط معين. و إن كان في دماغك صورة مسبقة تريد أنت أن تراها-كما هو حال المؤمن- فسوف تتشكل لك الصورة بإرادتك. ليس ذلك و حسب بل أن ما تراه بالسحاب قد أراه أنا أيضاً. أي أن العملية تصبح جماعية لكننا بالنهاية نعلم أنها تصورات و أنماط وهمية بعيدة عن واقع السحاب. “

فنظر إليها ,محاولا كظم غيظه, مستفسرا, ” و كيف تفسرين إذاً رؤية شخص لشيء و عدم رؤية الآخر له؟”

فقالت له مازحة, ” يمكن خبل-أهبل؟” ثم تداركت نفسها عندما رأت الدماء تكاد تفور في وجهه, ” أمزح معك, الناس مختلفون،فلا يوجد شخصين متطابقي الصفات و لا حتى بالتوائم المتشابهة. و كل منا له قابليات للتخيل بدرجات متفاوتة. فالفنانون مثلا يتميزون بخيال خصب يستغلونه بالإبداع في إعمالهم. والإيمان بالشيء ممكن أن يعطي هذا الخيال البيئة الخصبة للتنمية. و كلما كان خيال الشخص أكثر خصوبة بإيمان أقوى كلما إختلط هذا الخيال بالواقع أكثر حتى يصعب على الفرد التفرقة بينهما. و هذه ليست معجزة بل قد تصبح حالة مرضية إن زادت عن الحد.” ثم أخذت نفس عميق و إردفت قائلة, ” هل تذكر فيلم العقل الجميل؟ هل تذكر كم كان بطل الفلم عبقريا بالرياضيات ألا أن عقله لم يستطع التفرقة بين الخيال و الواقع.”

فقال مقاطعا, ” أنا لا أقصد الحالات المرضية.”

فردت عليه بالفور, ” و لا أنا قصدتها. فالتخيل أحد وظائف الدماغ. لكن إن إختلط الخيال بالواقع هنا يصبح الأمر مرضيا.”

صمت لفترة طويلة نسبيا و كأنه يحاول أن يجد ما يفند حجتها. و عندما لم يجد ما يقوله تمتم قائلا, ” المشكلة فيمن لا يؤمن هو أنه لا يعرف ما يراه المؤمن و لذلك يفسره تفسيراً علميا فيزيائياً بينما ما يراه المؤمن هو ميتافيزيائي. ما تصرين أنت على أنه خيال أستطيع أن أؤكد لك أنه واقع لكن ليس بيدي إثباته-بالأدوات الحسية- لأننا نتناقش عن عالمين مختلفين.”

“لا فائدة ترجى منه. خسارة السنين الطويلة التي قضاها في التعليم و خسارة للمال و الجهد المبذول عندما تقف العقيدة عائقا أمام الإنفتاح الفكري”طأطأت راسها كعادتها عندما تتخاذل أمامه و لا تتجرأ على مواجهته بما تفكر به عنه, ثم إردفت منهية للموضوع, ” لنترك النقاش إذاً و يرجع كل منا لقراءة كتابه فواضح أن عوالمنا لن تتلاقى أبدا.”

و هنا أقفل هو الموضوع واثقا بأنه كسب الجولة بالتفنيد, ” سواء تلاقت أم لم تتلاقى عوالمنا, فالله موجود، سواء إعترفنا أو تكابرنا.”

” تكابرنا؟” كلمة إستفزتها و هي تعلم أنه ممكن أن يكون بداية لنقاش طويل أو حتى حرب عشواء. لكن تعلم أن السنين التي قضتها معه بالحروب لم تأتي إلا بالدمار و قد تعبت من الحروب وعلمتها قسوة السنين معنى ” التحمل” ففتحت أيبادها و الذي كان قد أغلق من نفسه متمتمة بصوت منخفض،” Whatever “

و في كتاب ” دليل المشرك للأديان العالمية” للكاتب وليام هوبر  قرأت الجملة التالية:

في البداية عشنا كبشر في البرية و أكلنا من هو أقل سرعة و ذكاء منا. و بهذا الوقت إخترعنا شيء سميناه “الله”

ففرت منها إبتسامة خبيثة، فكم هو جميل أن يكون بهذا الكون ناس يتكلمون بمنطقها و يفهمونها و يفهمون عالمها.

Previous Older Entries