هل هي مصادفة بأنه كلما زاد تدين مجتمع ما كلما زاد معدل الجريمة؟
يقول الكاتب السعودي إبراهيم البليهي أن ثقافة كل جيل ما هو إلا نتاج تربية و تعليم الجيل الذي سبقه . و علي هذا الآساس فثقافة هذا الجيل هو نتاج تربية و تعليم جيل ما يسمي بالصحوة الدينية الإسلامية التي بدأت تتغلغل في أشلاء الدول الإسلامية منذ أواخر السبعينات و بعد الثورة علي حكم الشاه في إيران تحديدا ، و حتي بلغت “أكلها” اليوم في جميع الدول الإسلامية، فالواضح للعيان أن التدين في المجتمعات الإسلامية في تزايد إذا ما قارنا بين الوضع اليوم بما كان في الستينات و السبعينات (لن أقارن بيننا و بين السويد ، تلك الدولة العلمانية المنهج ، فهذا ظلم للسويد) ٠
التدين في الدول الإسلامية زحف من خلال الحياة الإجتماعية و صقلها بالتربية و التعليم كمثل غرس الزرع، و إمتد إلي الأمور المالية و تدخل في الحياة السياسية و في العلم و التعليم و الإعلام. فدخل بين الوالد و ولده و الزوج و زوجته. فحرمت تداول الخمور و تجارتها بعد أن كانت مجازة في بعض الدول (كالكويت )و منع الإختلاط حتي في أعتاب الجامعة . و حددت الأدوار الوظيفية لكل فرد (المرأة في البيت و الرجل خارجه) بقوانين ماليه ( دولة الكويت تفرق بين العلاوات الإجتماعية للرجل و للمرأة في نفس الوظيفة، و تعطي الرجل علاوة الأطفال علي أساس أنه هو المسئول عن الإدارة المالية لعائلته حسب النهج الإسلامي، و عليه تصرف له و ليس للزوجة حتي لو كانت الزوجة هي من تصرف عليهم. و كذلك توزع الإرث حسب القوانين و الشريعة الإسلامية (للرجل حق الإنثيين ) في المحاكم المدنية للدولة ليزيد إعتماد المرأة علي الرجل ماديا). و حورب المثليين و تم جرجرتهم للسجون بغير ذنب سوي أنهم “خلقوا” هكذا و تم سن التشريعات لمحاربتهم خوفا من سخط الإلاه كما سخط علي قوم لوط ، و لم يرحم لا طفل و لا شيب و لا شاب. و أنشأت البنوك الإسلامية التي لا تعمل بالربا الحرام بل بالمرابحة الحلال (في محاولة للضحك علي ذقن الرب!)، و طبقت الشريعة الإسلامية بالدستور المدني لتجعله دين دوله. كما أبدعت في العلوم الإسلامية الطبية و أقامت لها مؤتمرات إفتتحها أكبر رأس في الدولة ، منها للوقاية من الأمراض ( قال رسول الله صلي الله عليه و سلم : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء و في الآخري الشفاء. ” أخرجه البخاري و إبن ماجه” ) ، و منها للعلاج ، فأنتج الدواء لمعالجة السرطان بكلفه زهيده ليست أكثر من ثمن حليب الإبل مخلوطا ببوله كما جاء عن النبي في البخاري ، ” حدثنا موسي بن إسماعيل حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن ناسا إجتووا في المدينة فأمرهم النبي صلي الله عليه و سلم أن يلحقوا براعية يعني الإبل فيشربوا من ألبانها و أبوالها فلحقوا براعية فشربوا من ألبانها و أبوالها حتي صلحت أبدانهم “، (السر علي ما أعتقد بالنسبة و التناسب بين البول و الحليب!) . و هذا غيض من فيض الإعجاز العلمي للقرآن و الذي يكون البحث فيه كما الطريقة الإسلامية هو الإعتماد علي التفسير العلمي للنصوص أو السير علي نهج الرسول و تقديس نخامته٠
و ليس بالإسلوب المنطقي في التجربة و البرهان في المختبرات. و لا بتشغيل آليات النقد كما هي صيحة العلم الحديث اليوم. و هذه هي مناهجنا التي دخلت تحبوا في المدارس العامة بالنقل و التكرار حتي آصبحنا صور مكررة ك (طبع\لصق) لبعضنا البعض دون أن تكون لنا إضافات تذكر. كما تمكنت هذه الثقافة المتوارثة من مناهجنا و نقحتها حسب الطائفة الغالبة في العدد (إيران شيعية إثنى عشرية، السعودية سنية وهابية) و أجبرت حتي من لا ينهج بنهجها علي أخذ هذه المناهج بقوة القانون و ترديد ما لغم بها في إتجاه أحادي إقصائي… و تحت مظله الدستور. و برزت الشخصيات الإعلامية الدينية و الدعوذية بدعم من الدولة بالضبط كما تدعم المواد الإستهلاكية في جمعياتها التعاونية، فأصبح المدعوذون هم علية القوم و أغنياؤه و تجاره، تعطي لهم شهادات الدكتوراه بشخطة قلم في جامعات و كليات لا يعترف بها أحد غيرهم ، و لنا في دولة الكويت نموذج حي ٠
فهل بعد عشرين سنة من كل مامضي “لغرس ” الفكر الأيدولوجي و إجبار المواطنين علي “دين الدولة” وصلنا إلي ما يشابه يوتوبيا المدينة الفاضلة المنشوده؟
تقول آخر التقارير أن معدل الجريمة في الكويت في حالة إزدياد مضطرد، و هذه السنة بلغت ٦٨ في المئة زيادة عن السنة الماضية حسب ما صرح به نائب رئيس المجلس الاعلى للقضاء الكويتي وعضو المحكمة الدستورية المستشار فيصل المرشد
شخصيا لا أعتقد بوجود المدينة الفاضلة إلا في الخيال، و لأكون أكثر واقعية أنا حتي لا أتوقع أن يخلو أي مجتمع من فساد أو جريمه، لأننا بالنهاية بشر، و البشر يختلفون بينهم. و علميا كل إنسان فريد بمواصفاته و درجة تطوره و حتي تعامله مع غيره . و لذا فلست ممن ينشد هذه اليوتوبيا و لا حتي أعتمد علي الإحصاءات بصورة دقيقة. و لكن الإحصاءات و إن كانت كاذبة كما يقول مارك توين
Lies, damned lies, and statistics
ألا أنها تعطي فكره أو صورة عامة عن الوضع العام. و الوضع العام حسب التقرير هو إزدياد معدل الجريمة ، و هذا متزامن مع إزدياد الفساد الحكومي و الفساد البرلماني، لدرجة أنه أصبح الفساد الفردي هو القاعدة و الأمانة هي العامل الشاذ. فأين هي المدينة الإسلامية الفاضلة؟ أو بالأحري أين هي نتائج الغرس الإسلامي في التقليل من الجريمة؟ و هل الإسلام هو الحل أم أنه أحد عوامل زيادة العقد؟
إذا لم يستطع المسلمون و علي مدي ١٥٠٠ سنه أن يخلقوا نموذج يقارب لهذه المدينة، ألا يعني ذلك أن هنالك خلل ما؟ و الطامة الكبري هي أننا نفتخر بكوننا أعظم خلق الله و معنا القرآن و الحديث و السنة المحمدية (دليل الإستخدام الآفضل بلا منازع) و مع ذلك لم نستطع أن نقلل من معدل الجريمة في مجتمعاتنا ! و إذا أردنا أن نكون صادقين في طرح هذه المشكلة و التي وصفها المستشار بأنها “خطيرة” فيجب أن نضع يدنا علي العلة، فأين هي العلة؟
هنالك إحتمالين لا ثالث لهما؛ إما نحن متخلفون “خلقة” عن بقية البشر في الأرض و اللوم هنا علي الرب الذي “خلقنا” أكثر تخلفا من بقية الأمم – غريب… مع أنه كرمنا عنهم!) ، أو أن وسيلتنا في النهج و النظام الإسلامي و الذي طبقناه في تشريعاتنا و دستورنا الشبه إسلامي و تعليمنا و إعلامنا و بنوكنا و علومنا و ثقافتنا بصورة عامة و السائدة كلها خطأ في خطأ. أو بمعني آخر: فشلت الصحوة الإسلامية المنادية بزيادة التدين بقوة القوانين من خلق الدولة المدنية . و المنطق يقول أنه لابد أن ندرس سبب فشلها لتفادي أخطاء جيل الصحوة في الجيل القادم٠
فهل ستكون هنالك دراسات علمية جادة و شفافة و صادقة و غير متحيزة لدراسة هذا الوضع المزري لمعرفة السبب من وراء إزدياد معدل الجريمة؟ هل سيتم وضع كل الإحتمالات بالحسبان بما في ذلك أثر التشريعات و القوانين الإسلامية و التي تعتمد علي القمع و المنع التي يفرضها المدعوذون السياسيون علي المجتمع بدلا من إتباع النهج العلماني و العلمي في بناء المدينة المدنية الحديثة و التي تحتاج لتخصصات علمية و تنافس بين علماء الإجتماع و علماء علم النفس و غيرهم من المختصين بالعلوم الحقيقية و ليس علم ” أهورا مازدا” و “زيوس”؟
و ماذا عن تصريح المستشار بأنه من الناحية المدنية ” أصبحت القضايا المالية من أكبر المسائل التي تفتت كيان الأسر”؟ فهل سيتم دراسة النظام الإسلامي للزواج و تكوين الأسرة، المبني علي أساس المادة تشريعا من الآية القرآنية ، [ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ]( النساء : 34 )و أثرهذا التشريع و المفاضلة بين الجنسين علي إزدياد القضايا الأسرية ( في محاكم الأحوال الشخصية المدارة من قبل رجال الدين)؟
لا أعتقد
أغلب الضن أننا سنسمع الأغلبية السائدة تردد “الله لا يغير علينا” فهذا الجيل هو نتاج تربية و تعليم جيل الغفوه (عفوا… الإساءة مقصوده)٠
Recent Comments