كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٩)٠

الفصل الثامن: التصميم العظيم

في هذا الفصل و هو الأخير يلخص المؤلف كل ما قام بشرحه بالتفصيل في الفصول الماضيه و يستعرض الخلاصة و الهدف في نشر الكتاب فيقول “في هذا الكتاب قمنا بعرض كيف يمكن للحركة الإعتيادية للأجسام الهائلة، كالشمس و القمر و الكواكب أن تكون محكومة بقوانين ثابتة بدلا من كونها خاضعة للأهواء و النزوات الإعتباطية للآلهة و الشياطين  . ففي البداية ظهرت هذه القوانين {أو الفكرة بتنظيم معين للنجوم }  في علم الفلك ( أو التنجيم {معرفة الطالع من النجوم}، و الذي كان يعتبر وقتها نفس الشيء  تقريبا *. فتصرف الطبيعة {بالنظر إليها من } علي سطح الأرض معقد للغاية و خاضع لعدة مؤثرات {متداخلة} لدرجة أنها { أذهلت الإنسان في } الحضارات القديمة فلم يستطع أن يصيغ لها أية قوالب فكرية واضحة أو قوانين {تنظيمية } ممكن أن تخضع لها هذه الظواهر التي يشهدها. و لكن و بالتدريج { و خصوصا بعد تكرار حدوث الظواهر تحت ظروف نمطية } تم إكتشاف قوانين جديدة في نواحي  {أخري من الحياة } مختلفة عن علم الفلك، و هذا ما قاد إلي { بروز } فكرة الحتمية العلمية: و التي تقول أنه لابد من وجود مجموعة متكاملة من القوانين {الإبتدائية }  التي حددت كيف ممكن أن يتطور { أو يرتقي } الكون {على المدى البعيد } . و إمكانية معرفة هذه الصورة ، أو هذا التطور، من زمن يتم تحديد وضعه الأساسي فيه. و لكن يشترط على هذه القوانين أن تكون { صارمة في طبيعتها، أي } قابلة للتطبيق في أي مكان و أي زمان {دون إستثناء} ؛ {فمنطقيا } إذا لم تكن صارمة فهي ليست قوانين . فلا يجوز أن يكون هنالك إستثناءات لهذه القوانين و لا معجزات. {أي أن الحتمية العلمية تفرض علينا شرط بأن } الآلهة و الشياطين لا يجب أن تتدخل في إدارة الكون {أي بمعني آخر لا يجوز خلط العلوم الفيزيائية بالغيبيات}٠

ففي الوقت الذي ظهرت فيه فكرة الحتمية العلمية لأول مرة في التاريخ، كانت قوانين نيوتن للحركة و الجاذبية هي القوانين الوحيدة المعروفة. و لقد شرحنا كيف قام آينشتاين بتمديد و تطوير هذه القوانين بقوانين قدمها في نظريته النسبية العامة، و كيف تم إكتشاف قوانين أخري و التي تتحكم في شئون أخري في الكون٠

فقوانين الطبيعة  يجب أن {تقول لنا} كيف تتصرف الطبيعة و لماذا.”  و هي أسئلة مشروعه و ملحة كما ” قمنا بطرحها في بداية هذا الكتاب حيث تتلخص في:٠

لماذا يوجد شيء بدلا من لاشيء؟

لماذا نحن بالأساس موجودون؟

لماذا هذه المجموعة بالذات من القوانين في عالمنا و ليس غيرها؟

و من المنطقي { أيضا } أن نسأل من خلق الكون ، أو ما هو الشيء الذي خلق الكون . و لكن إذا كانت الإجابة بأن  ‘الله ‘ هو من خلق الكون، فهذا {لن يجيب على سؤالنا بصورة شافية لأنه } سيحرض علي سؤال آخر { أعقد } هو: من خلق الله . و من هذا المنظور { و الذي يفرض الإستسلام } يصبح مقبولا لدينا أن نفترض أن هنالك كائن ما موجود بدون خلق، و أن هذا الكائن إسمه الله .” و هكذا ندخل في نقاش عقيم ، فهذا النقاش أزلي  و له إصطلاح في علم الفلسفة بإسم  ” السببية الأولية لوجود الله ” . أي أنه سيضيع الموضوع و نبتعد عن الحتمية العلمية التي ننشدها. و لكن المؤلف يدعي حسب ما جاء على لسانه ” بأنه من الممكن الإجابة علي هذه الأسئلة ضمن النطاق العلمي فقط و دون الحاجة إلي تدخل الكائن القدسي “٠

فحسب فكرة الحتمية المعتمدة علي النموذج و الذي ذكرت شرحه في الفصول الماضية من هذا التلخيص و عرفة المؤلف بأن ” أدمغتنا تفسر المدخلات الملتقطة من أجهزتنا الحسية بعمل شكل أو نموذج للعالم  الخارجي.” و عليه فقوانيننا هي خاصة بنا و بعالمنا ، أو كما جاء علي لسان المؤلف أن “النموذج الجيد البناء يخلق واقع خاص به هو فقط ” . فإن كانت هنالك قوانين خارج نطاق إستيعابنا فهي غير مهمة لأنها بالنسبة لنا على الآقل غير موجوده حسب رأيي.  أما خلق الكون فيقول المؤلف بما معناه أنه قد يكون فيزيائيا بدأ من قوانين بسيطة جدا و لكنها  مع الوقت تطورت و تداخلت مع القوانين الكيميائية الآخري لتجعلها أكثر تعقيدا لدرجة ذكية . و ليشرح ما يقصد في االفقرة الماضية يضرب المؤلف لنا مثال في لعبة الحياة ، ليساعدنا أو ليحرض عقولنا علي “التفكير بواقعنا المعاش و { بمبدأ } الخلق”، فهذه اللعبة  ” تم إختراعها كما يقول المؤلف في سنة ١٩٧٠ من قبل عالم في الرياضيات، إسمه جون كونواي” لهدف عمل إختبار لعالمنا الفيزيائي . حيث ممكن من خلاله دراسة موضوع بالغ في أهميته الإنسان و هو الإجابة علي السؤال: هل الإنسان مسير أم مخير؟ أو هل من الممكن أن تتطور القوانين و تتعقد مع تغير الظروف٠

هذه اللعبة الكمبيوترية هي عبارة عن عده مربعات صغيرة متجاورة في البعد الثنائي- طول و عرض – تشبه إلى حد ما طاولة الشطرنج و لكن لا يوجد لها حدود معينة. تبدأ بوضع معين في زمن معين بشروط و قوانين محددة -إبتدائية بسيطة – لتتطور إلي قوانين أعقد و تمثل البرنامج المراد التوصل من خلاله إلي نموذج معين يتكرر حدوثه ليس على مستوى المربعات الصغيرة بالتحديد و لكن على مستوي عام و بصورة أكثر شمولية تشبه كثيرا قوانين عالمنا الفيزيائي كقوانين الدحرجة مثلا و قوانين أخرى بنينا عليها الأساسيات التطبيقية في حياتنا  كأجهزة الكمبيوتر الذكية . ليس هذا و حسب بل تم إختبار هذه اللعبة من قبل كونواي و طلبتة بإضافات يتدخل فيها عامل خارجي علي النموذج الأصلي ليتم مشاهدة كيفية تطوره و تحريضه لتكوين خلق ذكي نسبيا و ذلك بإحتفاظ المربع {الخلية الواحدة} بتاريخ لكل البرمجة السابقة. و بينت المحاولات بأنه حتي المجموعة البسيطة من القوانين {في بداية اللعبة} يمكن أن تنتج صفات معقدة تشبه {خلق} الحياة الذكية في الكون الفيزيائي ” . فأهم شيء في هذا الكون هو هذه القوانين الإبتدائية و الأخرى التي تطورت عنها . لأنه لابد من  “أن مجاميع كبيرة من القوانين في الكون تتصف بهذه الميزة” حسب ما جاء على لسان المؤلف. و لكن “ما هو {الأساس} الذي يتم عليه إختيار القوانين الأساسية {البسيطة} ( بدلا من القوانين الظاهرة {و الأكثر تعقيدا من التى تطورت عنها }) و التي تتحكم في كوننا؟

فكما هو الحال في كون كونواي {حيث قمنا نحن بوضع هذه القوانين في صيغة برنامج }،  فالقوانين في عالمنا ممكن أن تحدد إتجاه تطور النظام الكوني المستقبلي إذا عرفنا حالة هذا النظام بأي وقت معين {أي بوجود برنامج} . و لكن في عالم كونواي نحن من يخلق القوانين – أي نحن نختار الوضع الأولي للكون و ذلك بتحديد المواد و أماكنها في بداية اللعبة” من إذا يضع القوانين الإبتدائية للكون الفيزيائي ليتطور كما هو الآن و ليخلق الذكاء الطبيعي المعقد؟

يقول المؤلف “نحن نعلم أن أي مجموعة من القوانين و التي تفسر عالم مستقر {يسمح بالتطور لقوانينه}  كما هو عالمنا  {الكون بالنسبة لنا في الأرض} ستدخل حتما فيه فكرة الطاقة {كبدايات}، و التي هي كمية {في نوعها } و محافظة {علي نفسها}، و هذا يعني أنها لا تتغير مع الزمن. فالطاقة في الفضاء الخالي  {الفراغ} ستكون ثابتة، و لا تعتمد لا علي الزمان و لا علي المكان { و لا تساوي صفرا، بل هي بالتقريب صفر} ، و أن هنالك شرط واحد فقط  يجب أن يلتزم به أي قانون فيزيائي {ليتم شرط الإستقرار } و هو أن الطاقة للأجسام المعزولة و المحاطة بالفضاء الفارغ {كالأرض مثلا } يجب أن تكون موجبة لتتجاذب مع نفسها، و هذا يعني أنه لابد من بذل شغل لكي يتم بناء  هذا الجسم المعزول ” و ليبقي تقريبا في حالة إستقرار علي هيئته. أي يحتاج إلى طاقة موجبة و ليست سالبة لأنه “لو كانت طاقة الجسم المعزول سالبة، فهذا قد يعمل علي تحريك جزيئاته {بعيدا عن بعضها حيث التنافر } لكي يتعادل طاقتة السالبة بطاقة موجبة  {مساوية لها } يحدثها حركتة {الحركة هي الشغل و الشغل موجب}.  و إذا حصل ذلك { أي وجد الجسم المعزول بطاقة سالبة} ، إذا  فلا يوجد سبب يمنع الأجسام من الظهور في أي مكان. و عليه فسيكون الفضاء الفارغ غير مستقر. و إن كان خلق الأجسام المستقرة يكلف طاقه، فعدم الإستقرار يجب أن لا يحدث لأنه و كما ذكرنا، طاقة الفضاء الفارغ  يجب أن يظل ثابت. و هذا ما يتطلبه لجعل الكون مستقر محليا – و ذلك حتي لا تظهر الأشياء في كل مكان من لاشيء . {و هذا أحد أهم قوانين كوننا}٠

فإذا كان المجموع  الكلي {الجبري} للطاقة الكونية مقيد بالثبوت علي الصفر في الفضاء {من أجل الإستقرار}، و إذا كان خلق الأجسام يكلف بذل شغل أو طاقة، فكيف كان للكون بإكمله أن يخلق من لاشيء؟ هذا هو السبب في أنه لابد أن يكون هنالك قانون مثل قانون الجاذبية. لأن الجاذبية تعني الجذب و الشد {لعمل التعادل }، و طاقة الجاذبية طاقة سالبة: ذلك يعني أن علينا أن نبذل شغلا لفصل الأجسام عن بعضها البعض {الإحتفاظ بمسافات بينها }، مثل فصل القمر عن الدوران حول الأرض. و هذه الطاقة السالبة بإستطاعتها أن تعادل الطاقة الموجبة التي تتطلبها خلق المواد. فالجاذبية هي التي تشكل المكان و الزمان، وهي التي تسمح للزمكان أن يكون محليا مستقر و لكن كونيا غير مستقر. ففي المقاييس الكونية، الطاقة الموجبة المصاحبة للمواد ممكن أن تتعادل مع الطاقة السالبة للجاذبية،{ فتموت نجوم و تحيا أخرى}، و لذا فلا يوجد مانع من خلق الكون بأكمله. و لأنه يوجد قانون للجاذبية، فالكون يستطيع ، بل و يقوم بخلق نفسه من لاشيء بالصورة { الكوانتامية الذرية } ” التي تم شرحها في الفصل السادس٠

الخلاصة أن ” الخلق العشوائي هو السبب وراء كون أن هنالك شيء من لاشيء، و  {هو الجواب للسؤال الذي يقول }لماذا يوجد كون، و  {الجواب للسؤال عن } سبب وجودنا . فلا يوجد هنالك حاجة لإلاه كي يشغل { المفتاح الرئيسي} ليبديء عمل الكون و يتركه ليستكمل طريقه” بل هذا  من طبيعة الكون الفيزيائي حسب الحتمية العلمية، و عليه فأهمية إيجاد النظرية الكلية هي بمثابة معرفة القوانين الإبتدائية في لعبة الحياة، و ” النظرية الكلية {التي ننشدها } يجب أن تكون متكاملة و شاملة و قادرة على أن تتنبأ بنتائج نهائية لقيم يمكننا قياسها {للتأكد منها } . فلقد رأينا أنه يجب أن يكون هنالك قانون كالجاذبية {مد و جذب }  ، و رأينا في الفصل الخامس بأنه حتي تكون نظرية الجاذبية قادرة علي عمل تنبؤات لقيم نهائية، فهي وجب عليها أن تمثل بصورة ما سميناه  بالسوبرسيمتري أو التناظر الخارق لنظرية الجاذبية. و لهذه الأسباب فإن نظرية-م  {و التي تشملها } هي النظرية الوحيدة المرشحة لإعطاء {الصورة الصحيحة } للنظرية الكلية للكون. فإن كانت {نظرية م } نهائية- و هذا ما يجب على العلماء إثباته – فستكون هي النموذج  {المثالي} للكون  الذي يخلق نفسه بنفسه. و {نخلق نحن} كجزء منه لأنه { و حتي هذه اللحظة} لا توجد نظرية متكاملة مثل هذا النموذج” أو بالأحرى لا يوجد لها منافس بالقوة٠

فنظرية ‘م ‘ هي “النظرية الموحدة التي كان آينشتين يتمني أن يجدها {حاول حتي الساعات الآخيرة من حياته علي فراش الموت}. و حقيقة كوننا  كبشر- و الذي نعتبر مجرد مجموعة من المواد الأساسية في الطبيعة- قد أتينا إلي هذا القرب من فهم القوانين التي تتحكم فينا و في كوننا ليس فقط هو النصر العظيم للبشرية. و لكنه أيضا  هو المعجزة الحقيقية في كون الفرضيات التجريدة للمنطق قادتنا إلي نظرية فريدة من نوعها تقوم بالتنبؤ و تفسر الكون الكبير الملييء بالأشياء المدهشة العديدة التي نراها. فإذا تم التأكيد علي هذه النظرية بالمشاهدة المستقبلية، فإن هذا سيكون هو بمثابة النتيجة الناجحة لبحث بشري بدأ منذ أكثر من ٣،٠٠٠ سنة. و نكون {بالفعل} وجدنا ذلك التصميم العظيم٠

*

كان بداية الفصل بين علم الفلك الفيزيائي و التنجيم الميتافيزيائي في عهد الدولة العباسية حسب جون فريلي في كتابه” مصباح علاء الدين ” -عملت له مراجعة سابقا في هذه المدونة

إلي هنا ينتهي الكتاب و يفتح الباب للمناقشة  العلمية للمادة المعروضة حسب رغبة بعض قرائي الأعزاء، و لكن قبل أن أنهي هذا الفصل أحببت أن أعرض لكم رأي بعض رجال العلم و الفلسفه في هذا الكيب

إنتهت المراجعة و أهلا بأي نقاش

كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٨)٠

الفصل السابع: المعجزة الظاهرة {للعيان}٠

في الفصل السابق تساءل المؤلف عن ما يجعل من كوكبنا المكان الإستثنائي المناسب للحياة فتجعله يبدو و كأن هنالك يد تدخلت لتصميمه خصيصا لخدمتنا بقوانين شديدة الدقة لدرجة أن التحييد عنها و لو بقيد أنمله قد يقلب جميع الموازين. و في هذا الفصل يبدأ ببيان الخصائص التي جعلت من نظامنا الشمسي نظام قابل للحياة على الأرض. و أول الخصائص الإستثنائية التي ذكرها هو كون نظامنا الشمسي ذو نجم أحادي (أي يحتوي على شمس واحد ) ،  فلولا تمتع نظامنا الشمسي بهذه الميزة لما كانت هنالك فرصة للحياة أن تدب على وجه الأرض. أو كما قال بإسلوبه ” أي نظام شمسي ذو شموس متعددة ، لن يسمح، على الأرجح ، بتطور الحياة “. و السبب هو أن الكواكب التابعة له ” لن تستطيع الحفاظ على إنتظام درجات الحرارة {على سطوحها و خلال حركتها } على المدي الزمني البعيد ، و هذا كما يبدو لنا هو شرط من الشروط الضرورية {لقيام و إستمرار} الحياة ” . و لزيادة التوضيح يقوم المؤلف بضرب المثل بأبسط نظام للشموس المتعددة و هو النظام الثنائي أو الذي يحتوي على شمسين فيقول،” النظام الثنائي البسيط يستطيع أن يحافظ علي إستقرار أنواع معينة من المدارات {مختلفة عن النظام الأحادي}. و في كل واحدة من هذه المدارات سيكون  هنالك علي الأغلب فترة {ما خلال دورته} يصبح فيه سطح الكوكب إما أشد حرارة أو أشد برودة من تلك التي  تسمح بوجود الحياة. و الوضع يكون حتي أسوأ من ذلك في المجموعات الشمسية التي تحتوي علي نجوم عديدة {أي أكثر من إثنين } “٠

ليس ذلك و حسب بل نظامنا الشمسي له خاصية أخري لا يمكن أن تتطور بدونها الحياة للكائنات الراقية على الأرض، كما يؤكد المؤلف، هذه الخاصية  هي ” الدرجة التي ينطعج بها مدار الأرض البيضاوي {الإهليليجي }  حول الشمس . أو ما يسمي رياضيا بالإكسنترستي  أو درجة الإنحراف

Eccentricity

و الإكسنترستي هو ما يمثل رياضيا برقم بين الصفر و الواحد؛ فكلما كانت درجة الإنحراف تساوي رقما أقرب للصفر، كلما إقترب المدار إلي الشكل الدائري المثالي، {و في المقابل } كلما كانت درجة الإنحراف تساوي رقما أقرب للواحد كلما صار المدار أكثر تفلطحا… و بما أن درجة إنحراف المدار الأرضي هو فقط ٢ بالمئة تقريبا، فهذا يعني أن مداره حول الشمس هو تقريبا دائري.  و كما تبين لنا، فهذه الخاصية تمثل ضربة حظ كبيرة …فعلى الكواكب ذات درجة إنحراف كبيرة {مطعوجة بشدة} ، يلعب التغير الحاصل ببعد مسافات الكوكب عن الشمس { أثناء الدوران } دورا كبيرا {في التغير الكبير في درجات الحرارة على ذلك الكوكب حسب قربه أو بعده عن الشمس }…فالكواكب التي تتميز مداراتها بدرجات إنحراف عالية {قريبة من واحد } لا تسمح بوجود الحياة فيها. و لذا فنحن محظوظون لكون درجة إنحراف {مدار }الأرض {حول الشمس}  أو الإكسنترستي لمدار الأرض قريب جدا من الصفر { أو يمثل شكلا قريبا من الشكل الدائري } “٠

و لا تنتهي القضية هنا، بل ” الحظ ملازمنا أيضا في علاقة كتلة شمسنا مع بعد المسافة بيننا و بينه. و ذلك لكون كتلة النجم هي التي تحدد كمية الطاقة التي تصدر عنه…و لقد جري العرف أن يعرف العلماء الحيز القابل للحياة كالجزء الضيق حول النجم و التي تكون درجات الحرارة فيه مناسبة لتواجد الماء في الحالة السائلة بالحلقة الذهبية” أو

Goldilocks zone

و هذا الإسم في الواقع مستعار من قصة الأطفال ‘حلقة الذهب و الدببة الثلاث’ . فعندما تدخل ذات الشعر الذهبي إلى كوخ الدببة الثلاث و تستخدم أغراضهم في غيابهم فهي تقوم بإختيار الأنسب لها ،  و كذلك هو هذا المجال حول الشمس”فتطور االأحياء الذكية تتطلب أن تكون درجات الحرارة {و في جميع المواسم} في ‘الحدود المناسبة فقط’  للحياة” كما يقول المؤلف. فما هي قصة هذه الحظوظ يا ترى؟

يقول المؤلف أن نيوتن كان يعتقد أن السبب في كون نظامنا الشمسي غريب ( أو شاذ ) في نوعه هو كونه لم ” يخلق عشوائيا ( أو عبث ) بواسطة حزمة من القوانين الطبيعية” ، بل هو ” مخلوق من الله في البداية، و من ثم حافظ {الله عليه}  حتي يومنا هذا { بواسطة تلك القوانين } و بنفس الوضع و الحالة” . و لكن المؤلف يختلف مع نيوتن في هذه النقطة الجدلية، فيقول بأن “تصميم عالمنا القابل لوجود الحياة فيه كان بالفعل سيكون محيرا إذا كان نظامنا الشمسي هو الوحيد من نوعه في الكون ( أو أنه شاذ ) ” ، و لكن الأمر ليس كذلك ، ” ففي عام ١٩٩٢ تم إستكشاف و من ثم الحصول على أول مشاهدة مؤكدة بوجود كوكب (آخر ) يدور حول نجم غير شمسنا {و مشابه للأرض بالخصائص } . و اليوم نحن نعرف عن وجود المئات من تلك الكواكب { و إن كنا لا نعرف حتي الآن عن وجود الحياة عليها بسبب بعدها عنا }” و لا يوجد لدي العلماء شك “بوجود عدد لانهائي من تلك الأنظمة { و التي تتمتع بنفس المواصفات الخاصة بنظامنا تقريبا} بين البلايين من النجوم في كوننا . و هذا ما يجعل عامل الصدفة أو التزامن {في وجود هذه الخصائض مجتمعة } في نظامنا الشمسي – أي وجود شمس واحد، و بعد مناسب للأرض عن الشمس و الكتلة الشمسية المناسبة – أقل دهشة بكثير ، و أقل إلزاما كدليل علي أن الأرض مصمم بعناية فقط من أجل إرضائنا كجنس بشري. فالكواكب و بجميع أشكالها {و مواصفاتها } هي موجودة بيننا. و بعضها- أو علي أقل تقدير ، واحدة منها { هي الأرض }- تسمح بالحياة عليها”. و من  ثم يضيف بأن “وجودنا بحد ذاته يفرض قوانين تحدد من أين و في أي وقت يسمح لنا بمشاهدة الكون. أي أن، حقيقة وجودنا يفرض مواصفات نوعية البيئة التي نجد أنفسنا فيها. و هذا المبدأ له مصطلح علمي يسمى ‘مبدأ الأنثروبي الضعيف’٠

Weak Anthropic Principle

فمعرفتنا بوجودنا – أو كوننا شهودا على وجودنا – هو ما يفرض القوانين التي  يتم إختيارها ، من بين كل البيئات الإحتمالية، فقط تلك البيئات التي تتمتع بمواصفات تسمح بالحياة “٠

و يؤكد المؤلف بأنه مع أن مبدأ  الأنثروبي الضعيف أعلاه له وقع علي الأذن و كأنه من العلوم الفلسفية، ألا أنه ليس كذلك  لأن “هذا المبدأ بالإمكان أستخدامه لعمل توقعات علمية ( أو للتأكد من قياسات معينة ). فعلى سبيل المثال، {نحن نستطيع أن نستخدمه بعملية حسابية لمعرفة } عمر الكون { بصورة تقريبية تمكننا التأكد من الحسابات الرياضية و القياسات الأخري التي نحصل عليها}”٠

فعلي سبيل المثال “حتي يكون وجودنا ممكنا على سطح الأرض فلابد للكون أن يحتوي علي عناصر (معينة ) كالكربون … و الكربون عليه بالتالي أن ينتشر في الفضاء بواسطة إنفجارات السوبرنوفا

Supernova Explosion

و من ثم على الكربون أن ينكمش و يتجمع كجزء من كوكب علي مجموعة شمسية حديثة. و في عام ١٩٦١ جادل الفيزيائي روبرت دايك

Robert Dicke

بأن هذه العمليات تتطلب علي الأقل عشرة بلايين من السنين , و هذا يعني أن عمر الكون لايمكن أن يكون أقل من ذلك. و من ناحية أخري، لا يمكن أن يكون الكون أكبر من ذاك الرقم بكثير، لأنه في المستقبل البعيد ستستنفذ كل النجوم وقودها، و نحن بحاجة للنجوم المتوهجة لكي تستمر الحياة…و حسب البيانات الحالية لدينا، فالإنفجار الكبير حصل من قبل حوالي ١٣.٧ بليون سنة… و {هكذا } فالتنبؤاث الأنثروبية في العادة تعطي مجال { تقريبي} للقيم  و لا تحددها بدقة {و هذا يسمح لنا بالتأكد من حساباتنا}. فتقدير مدة  وجودنا، قد لا يتطلب قياسات دقيقة لبعض الظواهر الطبيعة و  التي غالبا ما تكون تعتمد علي المتغيرات التي لا تبتعد كثيرا مما نجدها {رياضيا أو بالقياس}. و علاوة علي ذلك فنحن نتوقع أن تكون الشروط الفعلية في عالمنا نموذجية و ضمن مجال شرعي مسموح به. فإذا كانت درجة الإنحراف المداري، علي سبيل المثال، هي ما بين ٠،٥ و صفر كشرط للسماح بوجود الحياة، فإن درجة إنحراف بمقدار   ٠،١ لا يجب أن تدهشنا لأنه إحتمال وجود هذه الدرجة من الإنحراف بين كل الكواكب في الكون،  و بنسب معقولة ، ليس غريبا. و لكن لو كان الأرض يتحرك في حركه تقريبا دائرية مطلقة، بإكسنترستي أو درجة إنحراف يساوي ٠،٠٠٠٠٠٠٠٠٠١ علي سبيل المثال، فهذا ما سيجعل الأرض بالفعل كوكب خاص جدا (أو شاذ كما ذكر نيوتن )، و { عندها } قد يحضنا ذلك الأمر علي محاولة تفسير سبب وجودنا في موقع بهذه الندرة {بصور أخرى} “٠

هذه الفكرة و التي تقول بأن الكون لم يخلق خصيصا لنا لها مصطلح علمي فلسفي يسمي ‘مبدأ ما دون المتوسط’ حسب المؤلف٠

The Principle of Mediocrity

هذا مع العلم بأن “الصدف السعيدة التي ساهمت في تشكيل مدارات الكواكب، و كتلة الشمس، و بقية الفرص السعيدة {نعزوها للبيئة } و نسميها بيئية لأنها تقوم علي مبدأ السرنديبية”٠

Serendipity

و هي في الواقع أحد الكلمات التي يصعب ترجمتها إلى أي لغة أخرى و لكن المؤلف عرفها  بالموهبة ” لإكتشاف الأشياء من حولنا ، ليس من خلال ضربة حظ في قوانيننا الأساسية في الطبيعة {أو كما يقول البعض صدفة من غير وجود إحتمال لها في الواقع}. فعمر الكون هو أيضا عامل بيئي، لأنه يوجد ما هو قبل و ما هو بعد في تاريخ كوننا، و لكننا نعيش في هذا {الحيز} من الزمن لأنه الحيز الوحيد الذي يسمح بالحياة…وجود النجوم، و الوجود في داخل هذه النجوم المكونة لعناصر نحن مصنوعين منها، ليس كافيا. فديناميكية النجوم تفرض عليها الإنفجار {بعد أن تنتهي حياتها}، ليس ذلك و حسب، بل عليها أن تنفجر بطريقة معينة تسمح لها بنشر المعادن الأثقل في الفضاء”٠

و كان أحد أوائل من تعرف علي هذه الخاصية هو فريد هويل

Fred Hoyle

في عام ١٩٥٠ حيث ” إعتقد أن كل العناصر الكيميائية في الوجود كانت أساسا مشكلة من عنصر الهيدروجين، و أنها المادة الأساسية {في تكوين كل شيء}” مع العلم بأن هنالك أشكال مختلفة من ذرات الهيدروجين ، لها نفس عدد البروتونات و لكن عدد مختلف من النيوترونات تسمي أيسوتوب أو نظير الهيدروجين ٠

Isotopes

و قد يكون  ” تطور شكل من أشكال الحياة  التي تتغذى على السيليكون و تحرك أذيالها بصورة رذمية { إيقاعية } دائرية في أحواض من الأمونيا أمرا ممكنا، و مع ذلك  فذاك النوع من الكائنات الحية الغريبة النوع لا يمكنها أن تتطور من المكونات الأساسية، لأن تلك العناصر لا يمكنها أن تشكل إلا نوعين من المركبات المستقرة؛ هيدرات الليثيوم، و التي هي كريستالات صلبة لا لون لها، و هيدرات الغاز. و كلا {المركبين } لا يمكنهما أن يعادا إنتاج نفسهما ، أو أن يتزاوجا {ليشكلا مركبات جديدة كما هو الحال مع الهيدروجين } . كما أن الحقيقة ستظل بأننا نوع من الأحياء الكربونية {نخضع لقوانين الكيمياء العضوية}، و هذا ما يجعل موضوع {أو سؤال : لماذا } الكربون و الذي يحتوي علي ستة بروتونات، و كذلك العناصر الثقيلة الأخري في أجسامنا” موضوعا دقيقا لكونه تحصيل حاصل و منطقي لأن هذه المواد بالأساس قابله للتطور و إعادة الإنتاج من مكوناتها الآساسية. فكيف إذا يتكون الكربون؟

عندما “تنتهي دورة حياة النجم، فإنه ينفجر فيما يسمي بالسوبرنوفا، و ينشر الكربون و العناصر الثقيلة الأخري في الفضاء . و من ثم تتكثف هذه العناصر مع بعضها البعض مكونة كواكب جديدة . و تسمي هذه العملية في خلق الكربون بعملية الألفا الثلاثية

The triple alpha process

و ذلك لأن’ جزيئات الألفا’ هو إسم آخر لنواة ذرة الإيسوتب {النظير } للهليوم ذو العلاقة {في العملية } ، و لأن العملية {الكيميائية } تتطلب إنصهار ثلاثة {جزيئات من نظير الهليوم} مع بعض {ليتكون الكربون}٠

و في عام ١٩٥٢ تنبأ هويل أن يكون مجموع طاقة نواة البرليوم و نواة الهيليوم مساويا لطاقة أيسوتوب من الكربون المتكون {في عملية الخلط} عندما يكون في وضع معين . و هذه الحالة تسمي حاله الرنين٠

Resonance

و هذا الخلط من شأنه أن يزيد من التفاعلات النووية. و عليه فالإنفجار بين هذه المواد و إعادة تكوينها هو أمر طبيعي٠

و عند البحث في شرعية مبدأ الأنثروبي في السنوات الأخيرة، قام الفيزيائيون بطرح أسئلة من مثل كيف كان سيكون الكون عليه إذا كانت القوانين الطبيعية مختلفة عن القوانين الحالية. و اليوم نحن بإستطاعتنا خلق نماذج آلية تخبرنا كيف تعتمد درجة تفاعل الآلفا الثلاثي علي  قوة القوى الرئيسية للطبيعة. فهذه الحسابات تبين لنا أن أي تغيير حتي لو كان بقدر ٠،٥ في المئة في القوة النووية القوية، أو ٤ في المئة في القوة الكهربية، سيحطم إما كل الكربون تقريبا أو كل الأكسجين في كل نجمة، و معه سينمحي إحتمال تواجد الحياة كما نعرفها. فالتغيير الطفيف في القوانين الخاصة بكوننا من شأنه أن يمحي شروط تواجدنا٠

و مع إختبار نموذج الأكوان التي وضعها {الفيزيائيون }عندما تتغير النظريات الفيزيائية أصبح بإستطاعتنا أن ندرس تأثير هذا التغيير علي القانون الطبيعي بطريقة نمطية. و لقد تبين لنا أنه ليس فقط قوة القوى النووية القوية في الطبيعة  و القوي الكهرومغناطيسية هي التي تحسم وجودنا بل  أن معظم الثوابت الأساسية تبدو و كأنها معيرة بدقة لدرجة أنه إذا حصل عليها تغيير طفيف، فهذا من شأنه أن يعمل تغييرات كمية كبيرة، و في حالات كثيرة تجعلها غير مناسبة للحياة٠

فحسب قوانين الجاذبية، لا يستقر المدار الإهليجي إلا في عالم الأبعاد المكانية الثلاثة. فالمدارات الدائرية ممكنه في العوالم ذات الأبعاد الأخري، و لكنها، كما تخوف نيوتن، غير مستقرة” و عليه “فالقوانين الطبيعية تشكل نظاما دقيق المعيار، و قليل جدا من القوانين الفيزيائية ممكن أن تتغير دون أن تحطم إحتمال  الحياة كما نعرفها. فلولا حدوث مجموعة من  المصادفات المثيرة و بالتفاصيل الدقيقة للقانون الفيزيائي، كما يبدو، ما كان للإنسان و غيره من الكائنات الحية أن يتواجد٠

و أكثر الصدف التي تبدوا و بصورة مذهلة أنها معيرة بدقة تخص ما يسمى ثابت النظام الكوني

Cosmological constant

المطروح في المعادلات النسبية العامة لآينشتاين. فكما ذكرنا، في عام ١٩١٥، عندما صاغ آينشتاين النظرية، فإنه كان يعتقد أن الكون ساكن، أي أنه ليس في حالة إتساع أو إنكماش. و بما أن كل المواد تجذب إليها المواد الأخري، فهو أدخل في نظريته قوة جديدة عاكسة للجاذبية سماها

Anti-gravity force

ليمنع {أو ليفسر } قابلية الكون بعدم تحطيم نفسه {بسبب الجاذبية المعاكسة}. هذه القوة، بعكس القوى الآخرى، لم تأتي من أي منبع معين، و لكنها كانت مبنية في نسج الزمكان {الذي إقترحه آينشتاين }. فالثابت الكوني يشرح قوة هذه القوى٠

و في عام ١٩٩٨ بينت المشاهدات للسوبرنوفا في المسافات البعيدة جدا عنا أن الكون في حالة إتساع بدرجات متسارعة {كما ذكرنا سابقا }، و حيث أن هذه العملية غير ممكنة إذا لم يكن هنالك نوع من القوى المضادة {للجاذبية} تعمل علي مستوي كل الفضاء. فتم إرجاع الثابت الكوني {لآينشتاين} بعد إستبعاده. و حيث إننا نعلم اليوم أن قيمة هذا الثابت ليس صفرا، فالسؤال التالي يضل مشروعا: لماذا يجب أن يكون الثابت بهذه القيمة {و ليس غيرها}؟٠

هنالك شيء واحد أكيد و هو أنه لو كانت قيمة الثابت الكوني أكبر بكثير من ما هو عليه، لإنفجر كوننا إلي قطع عديدة قبل أن يتم السماح للمجرات بالتكون، و -مره أخري- الحياة كما نعرفها كانت ستكون مستحيلة التواجد٠

فماذا عسانا أن نفعل بكل هذه الصدف { و الحظوظ السعيدة }؟

إن ‘عامل’ الحظ بالشكل و الطبيعة الدقيقة لأساسيات القانون الفيزيائي هو نوع مختلف عن الحظ الذي نجده في عوامل البيئة. فالمسألة لا يمكن أن تفسر بسهولة، و لها دلالات فيزيائية و فلسفية أعمق بكثير من {قول مجرد حظ أو صدفة كما يردد بعض السطحيين كمحمد العوضي و غيره مع أنهم لا يلامون}. فكوننا و قوانينه يبدو لنا و كأنه تم تصميمه بالصورة التفصيلية للحفاظ علينا”٠

و لكن “دقة التعيير ممكن أن يفسر { إو يدحض } بوجود الأكوان المختلفة. فالكثيرين نسبوا إلي الله جمال و تعقيد الطبيعة و التي كانت تبدو لهم في أزمانهم محيرة لعدم وجود تفاسير علمية لها. و لكن كما قام كل من دارون و والس بشرح كيف أن ما يبدو للناظرين أنه معجزة في تصميم الأشياء الحية {المعقدة} ممكن أن يكون بدون التدخل {القدسي} الخارق { أي أن التعقيد يتطور من البساطة و ليس العكس } . ففكرة الأكوان المتعددة ممكن أن تفسر موضوع التعيير الدقيق للقانون الفيزيائي دون الحاجة لخالق قادر علي كل شيء و الذي { قام إفتراضيا } بصنع الكون من أجل أن يكون في خدمتنا”٠

و من الطريف أن “آينشتاين سأل مساعده إرنست سترواس مرة هذا السؤال: ‘ هل كان الله يملك الإختيار عندما خلق الكون؟’ كما أنه في أواخر القرن السادس عشر  كان كيبلر مقتنعا بأن الله خلق الكون حسب بعض العمليات الحسابية المثالية. و نيوتن بين أن نفس القوانين التي تطبق في السماوات، تطبق علي الأرض، و طور معادلات رياضية ليعبر عن هذه القوانين و التي كانت جدا أنيقة لدرجة أنها تقريبا ألهمت حرارة دينية بين الكثيرين من علماء القرن الثامن عشر و الذين بدوا أنهم مصممين علي إستخدامها لبيان أن الله كان رياضيا”٠

و هنا  يقوم المؤلف بإعطاء نبذة مختصرة لما ذكره في السابق فيقول أنه “منذ عهد نيوتن و خصوصا بعد أينشتاين، أصبح هدف الفيزيائيين هو إيجاد مباديء رياضية بسيطة من النوع الذي تصوره كيبلر، و مع هذه المباديء أرادوا أن يخلقوا نظرية موحدة لكل شيء و يدخلوا في حساباتها كل تفاصيل المواد و القوى التي نشاهدها في الطبيعة.  و في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر و الجزء الأول من القرن العشرين أوجد آينشتاين و ماكسويل نظريات الكهرباء و المغناطيسية و الضوء. و في عام ١٩٧٠ تم عمل النموذج النمطي، و هي النظرية الموحدة للقوى النووية القوية و الضعيفة، و قوي الكهرومغناطيسية. ثم أتي بعد ذلك كل من نظرية الوتر و نظرية-م  في محاولة لإحتواء القوى المتبقية؛ الجاذبية. الهدف لم يكن فقط إيجاد نظرية واحدة تفسر كل القوى بل أيضا  كان لإيجاد تلك النظرية التي تفسر الأرقام الآساسية  {أو الثوابت } التي تحدثنا عنها، مثل قوة هذه القوى و الكتل و شحنات العناصر الأساسية { و هكذا}. و كما قال آينشتاين، الحلم أو الأمل كان أن نكون قادرين علي أن نقول  أن ‘ الطبيعة مشكلة بصورة تكون فيها القوانين قوية النفوذ بحيث تسمح  فقط للثوابت المنطقية و المقررة  بالكامل أن تظهر ( أي ليست كالثوابت التي ممكن أن تتغير قيمها الرقمية دون أن تتحطم النظرية )’ فالنظرية النادرة ستكون من غير المحتمل أن يكون لها التعيير الدقيق الذي يسمح لنا بالوجود. و لكن إذا فسرنا حلم  آينشتاين في ضوء التطورات الجديدة {في العلوم} بأن تكون تلك النظرية النادرة التي تفسر هذا الكون و الأكوان الأخرى، مع كل المجاميع المختلفة من قوانينها، فعندئذ، نظرية-م ممكن أن تكون تلك النظرية. و لكن هل نظرية-م فريدة، أو هي المطلوبة بطريقة أي مبدأ أو منطق بسيط؟ و هل بإستطاعتنا أن نجيب علي هذا السؤال: لماذا نظرية-م؟

يتبع