هوس الأغلبية بالطاقة الكونية (2)0

“التعريف العلمي للطاقة هو “القدرة على عمل شغل ما

  أي أنها قيمة قياسية تفيد في معرفة قابلية الجسم أو قدرته على بذل شغل. و وحدة قياس الطاقة هي الجول

و لا ينفع أن نقول طاقة و نسكت لأن هنالك عدة أشكال للطاقة: فالطاقة ممكن أن تكون حرارية، أو طاقة كيميائية، أو طاقة إشعاعية، أو طاقة نووية، أو طاقة كهرومغناطيسية، أو طاقة حركية أو كامنة، أو طاقة كهربائية أو حتى طاقة مظلمه

و الطاقة بأغلب أنواعها تتجدد لكنها لا تستحدث من العدم، بل هي جزء من طبيعة الأشياء بالكون. و هي ممكن أن تتحول من شكل لآخر كما يحدث عند تحويل الطاقة الحركية للمياه الجارية إلى طاقة كهربائية بإستخدام التوربينات. أو تحويل الطاقة الكيميائية في البطارية إلى طاقة كهربائية، أو تحويل الطاقة الشمسية (حرارية) إلى طاقة كهربائية، أو تحويل الطاقة الكيميائية (بوجود الغذاء و الأكسجين) في خلايا الجسم الحي إلى طاقة كامنة (تقاس بالسعرات الحرارية) تساعده في القيام بوظائفه الحيوية و بعملية التمثيل الغذائي

Metabolism.

و لا يوجد تعريف علمي للطاقة الكونية. أي أننا لا نعرف ما هو المقصود بالطاقة الكونية. فهل المقصود هو قوة الجاذبية النيوتونية (نسبة لنيوتن) أم هو كل ما سبق من أشكال الطاقة أعلاه

أما مجال الطاقة فهو بالصورة المذكورة أعلاه يعتبر أيضاً مصطلح مبهم. صحيح أن كل أشكال الطاقة لها مجالات لكنها مجالات محدودة تعتمد على شكل هذه الطاقة. و حتى نفهم معنى هذا الكلام لنعرّف المجال الكهربائي

المجال الكهربائي يعرف بكونه ” إنتشار القوى بكميات و إتجاهات تمتد على مساحة الشحنات الكهربية و يمكن تحديدها على أي نقطة بتلك المساحة”. أي أن المجال هو قوة بسهم موجهة

vector

لها قيمة و لها إتجاه و ليست فقط قيمة، و هناك أشكال من الطاقة يكون فيها المجال محلى، كما هو الحال مع الطاقة الحرارية أو الطاقة الكامنة مثلاً، و بذلك تكون هذه الطاقات تافهة كإتجاه لكنها مهمة كقيمة، و عليه لا يطلق كلمة “مجال” بالمعنى العلمي عليها

و لذا فلا يمكننا التحدث عن مجالات الطاقة و التي يرتكز عليها بياعي الطاقة الكونية في نشر “علومهم” دون أن نحدد شكل هذه الطاقة و هذا يقلص فضاء بحثنا و يحدده بالطاقة التي لها مجالات، أي لها كمية قوة و إتجاه و هي الطاقة الكهرومغناطيسية (هذه الطاقة و الطاقة الكهربائية هما وجهان لعملة واحدة و لذا فسوف أكتفي بإطلاق الطاقة الكهرومغناطيسية لتشملهما معاً). و كذلك الطاقة الإشعاعية و الصوتية، فهي أيضاً تدخل ضمن الموجات الكهرومغناطيسية و طاقة جاذبية الكواكب هي أيضاً تدخل بنفس المجال. أما الطاقة النووية فهي تكون نتاج إنشطار أو إندماج الذرة و لا تعنينا عند مناقشة طاقة الجسم البشري أو ما يحيطه مباشرة في الأحوال الطبيعية. و على ما سبق يمككنا أن نفترض جوازاً أن الطاقة المقصودة في هذه الحالات هي الطاقة الكهرومغناطيسية

و الآن لنطبق هذه المصطلحات على الجسم البشري بطرح هذه الأسئلة: فهل الجهاز العصبي الموجود بالعمود الفقري هو فعلاً المصنع و الموزع الكهرومغناطيسي للجسم؟ و هل الطاقة الكهرومغناطيسية التي يصنعها الجهاز العصبي لها مجال و أثر على المحيط الخارجي؟ و ماذا عن الجاذبية؟ أليس جذب الجسم للأرض تجسيد لهذه الطاقة؟ ألا نتعرض لصعقة الستاتيكا “نتكهرب” عندما نلمس مقبض الباب في الشتاء؟

إن نظرنا للموضوع على المستوى الكوني، فلاشك أن أجسامنا لها كتل، و كل شيئ يملك كتلة في مجال الجاذبية الكونية يكون عرضة لهذه القوى و جزء منها. لكن الجاذبية هي أحد الطاقات الكونية و لا تشملها جميعاً، فهنالك أيضاً الطاقة الإشعاعية و الطاقة المظلمة و غيرها من التي لازال أمام العلم تحدياً كبيراً لإكتشافها، سواء كانت موجبة أو سالبة حتى تتعادل لتصل الطاقة الكونية إلى الصفر و يتم بذلك التوازن من خلال كون متمدد، فلا تطير الكرات السماوية خارج مداراتها، و لا نطير بالجو عند المشي على سطح الأرض. و عليه لا يمكن أن نسمي قوى الجذب بين الأشياء بالطاقة الكونية إلا إن كنا نقصد كل هذه الطاقات مجتمعة و عندها تكون صفراً بالجمع الجبري-أو قليلاً جداً ليسمح للكون بالتمدد على مدد زمنية أسترونوميكية هائلة

أما على مستوى الجسم، فهنالك عمليات بيوكيميائية يتحول بها الغذاء إلى طاقة حرارية، و هي ما نسميها بعمليات التمثيل الغذائي، و ذلك كي يساعد الجسم الحي بالقيام بوظائفه الحيوية، فتتحرك بأجسامنا سوائل لتحافظ على الأعضاء بدرجة معينة، و يقوم الجهاز العصبي بإصدار البلايين من الشارات الكهربائية الناتجة عن العمليات الفيزيولوجية و يوزعها على جميع أجزاء الجسم ليقوم كل عضو فيه بوظيفته

لكن هل المعادن الموجودة في هيموجلوبين الدم مثل الحديد تكون بالكمية الكافية و الوضعية المناسبة لتصبح ممغنطة و تصدر قوة كهرومغناطيسية تستطيع أن تخترق حدود الجسم و تحرك البوصلة مثلاً عند إقتراب اليد منها، أم أن قوتها فقط محصورة بتحريك أعضاء الجسم لقيام كل منها بوظيفة الحياة؟ أي هل قوتها محلية بالجسم (طاقة كامنة) أم ممكن أن تتجاوز الجسم لتصل لحد التأثيربالأجسام الأخرى في محيطها؟ و إن كانت هذه القوة محصورة بالجسم فقط فكيف يستطيع معلم الريكي بحركة من يده بمسافة قريبة من الجسم أن يجلب الطاقة “الكونية” و يحصرها في تعادل القطبية بالجسم العليل ليشفيه دون أن يحدث خلل بالمحيط (المتوازن)؟

و إن نزلنا أكثر إلى مستوى الدون الذري، فكل الأجسام هي بالنهاية ذرات بها فراغات شاسعة و جزيئات متطابقة، سواء كانت حية أو جماد. و كلها ترضخ لنفس فيزياء و قوانين الكم. و هذا ما يستغله علماء النيو إيج ممن يحاولون بشتى الطرق أن يكسوا الفلسفة الشرقية القديمة بلباس العلم الحديث، عندما يلجأوون لمصطلحات تستخدم في علم الفيزياء الكمية، و هي الفيزياء الخاصة بالجزيئات دون الذرية، مستغلين جهل العامة بهذا العلم، لكي يثبتوا أن الطاقة الكونية ليست فقط حقيقة، و لكنها أيضاً  “شئ” واعي. و هذا الكلام غير منطقي لعدة أسباب

أولاً: صحيح أن المادة في الحالة دون الذرية تتصرف أحيانا كموجات، و هي بذلك تشبه الموجات الكهرومغناطيسية و الموجات الصوتية و الموجات الضوئية و حتي أمواج البحار في كونها محدودة المجال و تتلاشى في نهاياتها. لكن ما يحدد سعة هذا المجال فهو قوة المؤثر عليه. فإن رمينا حجراً كبيراً في بركة مياه مثلاً فستكون سعة مجال الموج أكبرمما يحصل مع رمي حصوة صغيرة. و بعد زوال المؤثر (الحجر و الحصوة) تعود المياه للتوازن تدريجياً. و هكذا هي الذرات في الجسم الغير معرض لتأثيرات خارجية، تكون أصلاً في حال تعادل على مستوى الجسم مهما كانت غرابة تحركات إليكتروناتها بالذرات

ثانيا: ميكانيكا الكم أو قوى الجذب الميكانيكية محددة بمستوى الجزيئات دون الذرية و قوانينها الفيزيائية لا تسري على ما هو على مستوى الجسم ما لم تتأثر خلاياه بمؤثر قوي كلمس سلك كهربائي حي مثلاً عندما تكون أجسامنا مبللة بالماء. و لذلك فالقوة الكهرومغناطيسية بالجسم الحي محددة و حرارته محددة محلياً و ليس لهما تأثير بصورة مؤثرة بالمحيط الخارجي و الكون

ثانياً: الطاقة كما ذكرنا سابقاً هي قدرة الجسم على عمل شغل و ليس شيئاً مادي قائم بذاته و له وعي. و عليه فجملة “الوعي الكوني” الذي تتردد على لسان علماء النيو إيج لا معنى له بتاتاً، بل هو مجرد سَلطة كلمات

 التنميل و الإحساس بصعقة الستاتيكا أو بتطاير الشعر بعد خلع البلوفر الصوفي في الشتاء و كأنه مغناطيس، و الذي يتعذر به من يروجون لوجود الطاقة كدليل مادى، هو بالواقع مضلل. فالأجسام بالوضع الطبيعي تميل بأن تكون الشحنات فيه متعادلة. و ما يحدث هو بالفعل نوع من الكهرباء الذي تخلقه ذرات الأجسام المعزولة عندما تشحن بسبب فركها ببعض فيختل توازنها وقتياً. و عندما لا تستطيع أن تفرغ شحنتها طبيعياً (كما تفعل بالجو الرطب مثلاً) تتركز شحناتها على السطح فتحدث هذه الصعقة عندما تتلامس بسبب إنتقال إليكترونات الذرات بينها كي تحيلها للتعادل. (و كذلك الشعر يتطاير بصورة غريبة بسبب تكوُن شحن متشابهة لكل شعرة و أخرى بعد فركها بالبلوفرفتتنافر). لكن هذا النوع من الكهرباء هو ساكن مؤقت و ليس له مجال للسريان خارج محيط الجسم. قارن ذلك بمسك سلك كهربائي حي بملابس رطبة و بدون حذاء (لا تفعل ذلك إلا إذا كنت تريد الإنتحار). و عليه فإن كان هنالك من له قدرة على التحكم بهذه الشحنات ليعادلها، فذلك لا يمكن أن يحدث دون الإحساس  بالملايين من هذه الصعقات بين الجسمين. و يكون ذلك عند اللمس و ليس عند تمرير اليد على مسافة منه و لا بالتركيز الذهني. و الآن فكر بمقولة أن هناك من “يملك هذه الطاقة (المشحونة) و يستطيع أن يوهبها للآخر”، ألا تبدو هذه الجملة ساذجة في ضوء ما سبق؟

يتبع

Leave a comment