الكاتب الكبير أحمد البغدادي كتب مقال رائع في جريدة السياسة الصادرة يوم ٣١\١٠\٢٠٠٩ في نوع من الترثية غير المباشره للديموقراطية الكويتية بالخصوص و الديموقراطيات العربية الإسلامية (الهالوينيه) عموما
و من أفضل ما قاله في المقال هي الفقرة التالية و التي أعطتني الإلهام لكتابة هذا البوست
“الديمقراطية مثل النبتة الزراعية التي تحتاج إلى بيئة مناسبة, فكما أن النخل لا ينمو في الاسكيمو, كذلك الأمر مع نبتة الديمقراطية التي لا تنمو و لا تترسخ جذورها إلا في البيئة المناسبة, وقد فشلت الديمقراطية كأسلوب حكم في العالم العربي والإسلامي لسبب بسيط, وهو أن ” التربة ” العربية والإسلامية لا تصلح لنمو نبتة الديمقراطية”٠
فحسب نظرية التطور الإجتماعي “البيئة هي التي تحدد نوعية التعامل بين الناس و يكون الإختيار طبيعي حسب الحاجه و التغيير يكون تراكمي مع الزمن“. فالديموقراطية في المجتمعات التي تؤمن بالحريات الفردية و تحتاجها هي الديموقراطيات الناجحة في التاريخ، أما المجتمعات التي لا تؤمن بالحريات الفردية و لديها حسابات أخري أكثر أهميه، فهي أساسا تلغي عامل مهم في نجاح التجربة الديموقراطية. فالديموقراطية هي الإيمان بحرية الفرد في الإختيار و هذا نابع بالأساس من إحترام العقل الفردي في القرار٠
الديموقراطية ليست فقط صناديق إقتراع و نظام سياسي للدوله، بل هي طريقة حياة في السلوك الشخصي للفرد و كذلك بتعاملاته الجماعيه. فمثلما نذهب إلي صناديق الإقتراع منفردين، وجب علينا أن نقيم و نوازن جميع أمورنا في الحياة بصفة فردية عادله لكي نكون ديموقراطيين٠
فالعدل هو أساس الديموقراطيه٠
الوالدان اللذان يعاملان أبنائهم معاملة متغايرة حسب الجنس هم بالأساس غير ديموقراطيين٠
المدير أو الوزير الذي يعامل الموظفين معامله غير عادله فيقرب أهله و عشيرته و يستثنيهم بالدرجات و المناصب هو أساسا مدير غير ديموقراطي٠
المسئول الذي يتوسط “لربعه” في المعاملات الحكوميه و يكون سببا في حرمان الآخر من حقوقه هو بالأساس غير ديموقراطي٠
المواطن الذي ينتخب المرشح لأسباب القرابة؛ سواء كانت عائليه أو دينيه طائفية هو بالأساس مواطن غير ديموقراطي٠
الدولة التي تفرض علي الشعب فكر أحادي و تجرم الأفكار الأخري و تحاربها بالقوانين هي بالأساس دولة غير ديموقراطية٠
الإعلام الذي يغرق المجتمع بفكر أحادي و يحجب الأفكار الأخري المغايره إعلام غير ديموقراطي٠
المناهج المدرسية التي تفرض بعض العقائد و السلوكيات علي عقل الناشئة و تنبذ العقائد الأخري و لا تعطي الخيارات، مناهج غير ديموقراطية٠
القاعدة عموما هي في طرح جميع الخيارات و إحترام عقلية المواطن في الإختيار الفردي، و عدم معاملته معاملة القاصر
فالأساس كما ذكرنا هو العدل، سواء كان في المعاملة الجماعية أو الفردية، و الأهم من ذلك كله هو إحترام عقل الفرد و الثقه به لعمل القرار المناسب دون التوجية القسري الذي تكون ركيزته الرآي السائد و ليس الحقائق. فالآراء تتباين و لكن الحقائق تظل ثابته. و الغاية بالنهاية من إختيار ممثلينا بصناديق الإقتراع هو توصيل الصوت الشعبي للحكم من أجل بلوغ حياة كريمة عادله لجميع المواطنين بصوره جماعية أو منفرده و ليس حكم الأغلبيه، بل ديموقراطياتنا المبنية علي حكم و رأي و سلطة الأغلبية هي الأقرب للشوري الإسلامية منها للديموقراطية، و شتان ما بين الأثنين. فالديموقراطية لا تتعلق بالقبلية و الشللية و الطائفية و ليست مرهونة بعلية القوم، و لكن تتعلق بمدي توافق طرح من يمثلنا مع فكرنا، و هل هذا الشخص لديه الكفاءة و القدرة علي تطبيق ما يطرحه؟ وهل هذا الطرح بناء أم هادم للدولة المدنية التي تحتكم بالدستور المدني؟ و كذلك توجهات هذا المرشح و خلفيته التاريخيه٠
كل هذه الأمور تحتاج موازنه و دراسة فرديه و وعي. و هذا الوعي لا يأتي من فراغ، بل من تصميم المجتمع علي هدف بناء دوله مدنيه لكي تكون ديموقراطية بالمعني الحقيقي. فالديموقراطية لا سبيل لبلوغها في الدول التي يكون دستورها مبهما كما هي دساتير الدول العربية و الإسلامية. النقيضين “الشرع الإسلامي” و “القوانين المدنية” لا يمكن جمعها تحت غلاف واحد، و لا يمكن تبنيها حتي علي المستوي الفردي. فالشرع الإسلامي مشروط و محدد الحريات سواء علي المستوي الفردي أو الجماعي، و لكن الدساتير المدنية حرياتها مطلقة (مثل حرية كل مواطن بترشيح نفسه) و القرار يكون للفرد (مثلما يتم عن طريق الإقتراع الفردي). فكيف يمكن الجمع بينها؟
مستحيل
و هذه هي مشكلة دساتيرنا العربية الإسلامية
و لكن هنالك عامل آخر أعتقد أنه غاب عن نظر الكاتب، و هي أيضا إستنادا لنظرية التطور، و هو عامل الحاجه للتغيير. فالديموقراطيات ممكن أن تتشوه بزمن معين و تفشل في مجتمعات معينه، و لكن من صميم ميكانيكيتها هو التصليح الذاتي مع الزمن و التجربة لأنها بالنهاية مثلها مثل أي نظام علماني متغير بتغير البيئه و تراكمي حسب التجربه و حسب الحاجة لكل فترة زمنيه. و لأقرب الصورة أكثر إلي الأذهان أضرب مثال بفوز أربعة نائبات في المجلس الحالي، و هو الشيء الذي لم يخطر علي بال أكثر المحللين السياسيين فطنة في البلد. و لكن عندما ندرس مخرجات المجالس الماضية و البيئة الكويتية الحاضنه لهذه المخرجات سنجد أن هنالك تحول في الفكر الشعبي بصورة عامه لصالح تجربه مغايره، و هذا ما أنتجته الحاجه، و لن تكون ديموقراطيتنا حقيقية إلا إذا شعر المواطن بالحاجة للحرية و في جميع مجالاتها، و التجربه هي المعلم الأول و لكنها تحتاج إلي زمن كي تتبلور. و هنا تتضح الصورة أكثر من خلال التلسكوب التطوري٠ فالدول الأوربية التي نجحت فيها الديموقراطيات عانت قبلها و دفعت دماء شعبها للحصول علي حرياتها، و لذا فالحاجة إلي الحرية هو ما كان دافعها الأساسي لنجاح تجربتها الديموقراطيه٠
أما نجاح تجربتنا الديموقراطية فهي رهينه بالزمن و بالحاجة و التجربة
تحياتي
Recent Comments