وا بحريناااااااه

وصلتني بعض الرسائل من الأصدقاء الكويتيين و البحرينيين و من قراء مدونتي الأعزاء و بعضهم من المدونين، يطلبون مني أن أكتب رأيي بصراحة عن البحرين. و لقد كنت أصبت كما أصيب غيري بصاعقة من الأعصار الثوري الذي إجتاح الدول العربية بنهاية سنة ٢٠١٠  فأصابني  بحالة من الذهول و الشلل الذهني . ففي مدة قصيرة من الزمن لا تتعدى الشهور حدثت أحداث تاريخية عظيمة غير متوقعة بتاتا.  الأمل و الخوف تآمرا علي و زادا دقات قلبي في أذني، تاريكين فكري متزعزعا متشوشا مترددا، غير قابل للنشر. و لذلك حبذت التريث حتي يتبين لي الخيط الأبيض من الأسود أو علي الأقل يكاد. و عدا عن تغريد هنا في التويتر و جملة هناك في الفيسبوك فأنا لم أكتب شيئا عن هذا الموضوع٠

فهذه الثورات فاقت كل التصورات، كونها كانت شبابية القيادة ، سلمية الإسلوب ، إنترنتيه المنشأ، عالمية الإعلام و إقتصادية الغاية في كونها جميعا قائمة لتحسين الوضع المعيشي للأيدي العاملة من الشعب. أي كانت ثورة الخبز، جمعت بين كل فئات الشعب وطوائفه و ألغت حكومات أوتوقراطية و حكام دكتاتوريون دون أن تتفق ، أو حتى أن يهمها من سيكون البديل . ناثرة الياسمين في تونس بعد أن تطوع البوعزيزي بأن يكون هو عود الثقاب المشعل لها لتمتد بسرعة جنونية و تلتهم كل تونس، باعثة النداء لشباب  اللوتس في مصر و التي بدورها إستجابت للنداء بسرعة أكبر. ظهر بصورة عامة فيها الفرق بين فئتين في كل هذه الشعوب: فئة المخربين الذين هم مستفيدين من الوضع الراهن و منهم بقايا الحكومات المتهاوية، أو من سموا بالبلطجية. و فئة أخرى بلغت درجات من الرقي الخلقي في إصرارها أن تكون المظاهرات راقية، و لا أدل على ذلك من قيام الثوار بتنظيف الشوارع بعد ركود بركان الثورة في ساحة التحرير بمصر. بالفعل شيء يدعو للإحترام و التقدير. أتى بصدى طيب على مستوى جميع دول العالم، بعد أن صارت الشعوب العربية الإسلامية تشتهر بفضل السفهاء منهم بكونهم عرب جلفين و همج. و هذا كان السر في نجاح الثورتين، كما كان الإصرار و السلم هو سر نجاح غاندي في إسقاط التاج الإنجليزي في الهند٠

و لكن الثورات لم تبتديء في تونس و مصر و لم تنتهي في إسقاط رئيس هنا أو كش ملك هناك. فكما ذكرت الشبيبة الثائرون لا يملكون البديل. البديل يملكه المفكرون المخططون حكماء الأمة. و الخوف كل الخوف أن ينجرف الشباب في الإتجاه الخاطيء، فيستخدمهم المستغلون للتقاتل و التناحر، و حتي في الحروب الأهلية كما يحدث في ليبيا و كذلك سيحدث في البحرين، و قد تجر دول أخرى في حروب أهليه في كل منطقة الخليج إذا لم نستمع إلى صوت العقل، و لم نقل للسفهاء منا سلاما. و هذا هو دور المفكرين، العلمانيين منهم على وجه الخصوص ممن لا ينحازون لتلك الديانة و لا لتلك الطائفة و لكنهم ينحازون للإنسان، و ذلك بزيادة الجرعات التثقيفية و التنويرية في هذه الأثناء بالذات، و عدم الإعتماد على ذكاء الشباب الثائر لأنه في هذا الوقت سيكون أولئك كالغريق الذي يريد التمسك بأي شيء يبقي عليه، فالمسألة مسألة بقاء بالنسبة لهم٠

و نحن لا ينقصنا مفكرين في الدول العربية الإسلامية، فهم كثر، و لكنهم للأسف لا يكادوا يبينوا في هذا الكم من الغث و السمين من المطروح على الساحة و في  الفضاء السيبيري ، و خصوصا أن من يدعون العلم و المعرفة و الحنكة السياسية كثيرين و الكثيرين منهم من الذين يلعبون بالماء العكر، و يجيدون ركوب الموج و بأي وسيلة كانت، لبسط سلطتهم على البشر و إستعبادهم بوسائل عدة،  فهنالك الكثيرين من الدكتاتوريين، و خلع دكتاتور من على سدة الحكم لا يعني خلع الدكتاتورية من جذورها. و لكن أقبح الدكتاتوريات هي التي تستخدم الدين لدغدغة العواطف و لتفرقة الناس و تأجيج النعرات الطائفية ، سالكين سياسة فرق تسد٠ و خلع هؤلاء ليس كخلع مبارك أو بن علي ، إنه أقرب إلى خلع أحمدي نجاد، و الذي قابع على صدر شعبه رغم كل الثورات ضده٠

و لذلك أشعر أحيانا أنه من الأفضل في هذه الحالات زيادة جرعات القراءة و التأني في الكتابة إلى حين . و في هذا الشأن ظهر كتاب جديد في الأسواق بعنوان

Working Class Rising

The Middle East Revolutions/A framework for analysis

By/ Catherine Claxton, Ph. D.

تحلل فيه الكاتبة موجة الثورات في الشرق الأوسط و تشبهها بموجات الثورات العمالية في أوربا بعد العصور الوسطى و التي تقول بأنها أخذت شكلا نموذجيا بفترات حدوثها؛ من بداية القرن تقريبا إلى منتصفه تكون الثورات على أشدها، و تخمد عند منتصف القرن لتبدأ من جديد في بداية القرن الذي يليه

الموجة الأولي

١٨١٨-١٨٥٠

الموجة الثانية

١٩٠٥-١٩٤٥

الموجة الثالثة ٢٠١١- و مستمرة

مستندة على عدة عوامل مشتركة، لا تستثني منها الحروب و التفرقة الدينية\ الطائفية التي تزامنت مع بعضها. و كذلك في كون هذه الثورات ثورات معارضة شبابية ، لا صلة لها بالأحزاب المعارضة التقليدية ، و هي لم تكن تملك البديل، بل حتى لم يكن يهمها من سيكون البديل طالما سيلبي هذا البديل متطلباتهم. كانت نتيجتها  و بصورة عامة، على المدى البعيد إيجابية كالحصول على المزيد من الحقوق السياسية في الإشتراك الشعبي في الإنتخابات الديموقراطية و تشكيل الأحزاب العمالية للمطالبة المستمرة في كل ما من شأنه تحسين الأوضاع المعيشية للأيدي العاملة، و كذلك حصول المرأة على حقوقها السياسية، و غيرها من الحقوق المدنية. متنبئة بأن هذه  الموجات التي تجتاح الشرق الأوسط هي نفس أمواج التغيير التي جاءت في أوروبا و أمريكا مع إختلاف الظروف و الزمان و الوسائل. و داعية إلي طرح الموضوع الذي حللته بالتفصيل في كتابها إلي النقاش، على إفتراض أن الإنسان هو الإنسان في كل مكان يتشابه في ما يحرضه للقيام بالثورات٠

كتاب يستحق القراءة و التفكر و لكنه ليس موضوع البوست اليوم. و لمن يريد معرفة المزيد فليرجع للكتاب. ما أردت فقط بيانه أن التغيير هو الحقيقة المؤكدة  في هذه الحياة، و هو في نفس الوقت الشيء الذي يخشاه الإنسان بصورة عامة، إلا إذا كان ‘بايعها’ مثل البوعزيزي. و الثورات عندما تكون محددة بزمن معين و لدولة ذات قواسم إقتصادية، إجتماعية،  سياسية مشتركة ؛ مجتمعة كانت أو منفردة، مع دول أخرى فإن إحتمال حدوثها كموجة وارد، مثل تلك التي إجتاحت أوربا في القرنين التاسع عشر و العشرين، و تلك التي إنتشرت في البلاد العربية ببداية هذا القرن و أثرت في الدول الإسلامية و حتي غير الإسلامية مثل الصين و التي ألغت كلمة ‘مصر’ من ماكينات البحث في شبكاتها و لعبت في حسابات البريد الإليكتروني ‘جي ميل’ بصورة تبين فيها أن الخطأ تكنيكي من غوغل، بينما غوغل تنفي ذلك. كل هذا يحصل بسبب الرعب الذي دب في قلوب الحكام أو من هم مستفيدين من الوضع القائم، فأيقنوا إستحالة بقاء الحال مع شعب واعي حتى لو لم يملك البديل

و ما علاقة هذا بما يحدث في البحرين؟

كل شيء، فما يحدث في ليبيا من إشعال النعرات القبلية من قبل القذافي و أتباعه، هو نفس ما يحدث في البحرين من قبل الملك حمد و أتباعه في إشعال النعرات الطائفية٠

و ما يقوله القذافي بأن القاعدة وراء الثوار لا يختلف عن قول مبارك أن بدونه سيحكم مصر الإخوان، و لا يختلف عن قول بشار الأسد أن عصابة وراء أبناء درعا السورية و لا يختلف عن قول علي عبدالله صالح بأن المخربين و البلطجية هم وراء الثوار و لا يختلف عن قول حكام البحرين أن إيران هي خلف الثوار في البحرين، تعددت أصابع الإتهام، و غاية شباب الثورة في كل مكان واحدة؛ العدالة الإجتماعية و تحسين الوضع المعيشي٠

شعب البحرين ممزق بين الشيعة و السنة من زمن بعيد بعد الدولة الإسلامية و ليس فقط اليوم، و هو لا يختلف عن الشعب الكويتي أو كل الشعوب الخليجية في هذا، و لكن ما يميز البحرين أن أغلبية مواطنوها شيعة يحكمهم حاكم سني. و علية فالثورة الشعبية للعدالة الإجتماعية، حتى لو إشترك فيها السنة فستكون ذات أغلبية شيعية لأن هذه هي التركيبة، و هذا يسهل تقبل عرض من يريد أن يشير إصبع الإتهام لإيران بإعتبارها تساند الشيعة في البحرين لغرض بسط سيطرتها على الخليج و تصدير فكرتها في قيام الدولة الإسلامية بنظام ولاية الفقيه. و حتى لو لم تقم إيران بأي عمل رسمي تأكيدا على تدخلها، فهنالك إحتمال أن يندس بين المتظاهرين من يريد ركوب موجتها، كما ركب الخميني موجة الثورة في إيران في نهاية السبعينات، و كما يتنافس اليوم الإخوان و السلف في مصر لقطف ثمرة الثورة. أي أن ليس كل ما يدعية الحكام خطأ، و لكنه خارج النطاق التحليلي الإتهامي التخطيطي التآمري. فإحتمال طمع إيران في الخليج  وارد و علينا الإنتباه لهذا الأمر و لكن دون الدخول في سكيتشات نظريات المؤامرة التي يرسمها لنا من يريد إبقاء الوضع على ما هو عليه٠

يقول نيكولو ماكيافللي ” من يريد أن ينجح بإستمرار، عليه أن يغير سياستة مع تغير الوقت”. التغيير كالإعصار، و الثورات هي موجات هذه الأعاصير. فالشجرة التي لا تتمايل مع الرياح و تقاومها سيكون مصيرها حتما القلع. و لذلك فمن الحكمة أن يكون الحكام في هذه الفترة مرنين مع مطالب شعوبهم، متقربين منهم، يسمعون لهم و يحتضنوهم قبل أن ترميهم الموجة على من يستغلونهم٠ الشعب الثائر لا يهمة من هو الحاكم و لا ما هي طائفته أو حتى دينه، المهم عنده العدل في المعاملة أمام قانون واحد لا يفرق بين أفراده لا بالجنس و لا بالدين و لا بالقبيلة ، و لا الطائفة. و عندها سيري أن الشعب بجميع أطيافه سيقف معه، تماما كما وقف الشعب الكويتي يدا واحدا وراء قائده إبان الغزو الصدامي للكويت. أما القائد الذي يلعب على تفرقة الشعب و إشعال الطائفية بينهم كي يسود، فهو لاشك زائل، و لو بعد حين٠

و عليه فأنا أدعو جميع حكام الخليج بمد أيدهم إلى شعوبهم لمعرفة مطالبهم و محاولة تلبيتها ضمن الدستور المدني الداعي إلي حماية الأقلية قبل الأغلبية من الشعب، و بالديموقراطية الحقة التي لا تفرق بين أبناء الشعب الواحد. أطلب منهم التوسط بين حاكم البحرين و شعبه الثائر و تقديم النصح له بعدم إستخدام العنف معهم، و أطالب قوات درع شبه الجزير العربية بالرجوع فورا إلي بلدانهم، يكفي قتل و يكفي دمار، فمن تقتلون هم إخوانكم . إرجعوا قبل أن يستفحل الأمر و يخرج الوضع عن نطاق السيطرة٠

و كذلك أطالب الثوار في البحرين بإختيار وفد يمثلهم لعرض قضيتهم في الأمم المتحدة بوساطة إنجليزية، على غرار ثوار ليبيا و الذي كسبوا القضية في الأمم المتحدة بوساطة فرنسية. و أتمني أن تحل الأمور بالوساطات السلمية و عدم الحاجة لتدخل مجلس الأمن٠

خارج نطاق التغطية:٠

من الملاحظ أن التكاثر بين الحيوان يزداد عندما تحدث كوارث طبيعية، فهل يا تري سيزداد الحب بين بني الإنسان في خضم هذا السيل من الكوارث الطبيعية و الصناعية؟