Happy 2011 and Happy BD to Me

كل عام و الجميع بخير وصحة و سلامه و رخاء

عسى أن تكون السنة القديمة عبرة، و الجديدة للمستقبل المشرق طفرة

أراكم في السنة الجديدة لأتابع السلسلة لكتاب ستيفن هوكنغ، أما الآن فأتى وقت الإحتفال و الفرحة تيمنا بمستقبل مشرق خالي من العادات القديمة السيئة و حامل بالعادات الجديدة الجيدة

أستطيع أن أقول أنني حافظت على عهدي في سنة ٢٠١٠ بعدم التدخين و أنا الآن “حرة التدخين ” ٠

ملاحظة :  ما بين  القوسين هي الترجمة الحرفية ل

Smoke Free

كل عام و أنتم الحب

كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٦)٠

الفصل الخامس: نظرية كل شيء:٠

جميع الفصول الماضية لم تكن في الواقع إلا تمهيدا لهذا الفصل، فهذا الفصل هو خلاصة ما يريد المؤلف أن يوصله إلى القاريء بما يخص النظرية الكلية ،  أو بالأحرى، ما يتنافس عليه الباحثون اليوم لصياغة النظرية الشمولية ، هذا مع العلم أن آينشتاين بنفسه كان أحدهم. و هي النظرية التي يتأمل أن يجد العلماء فيها بديلا عن جميع القوانين الكلاسيكية، مصيغة بنموذج واحد يسهل إستخدامه على مستوى العالم الذري و العالم اليومي المعاش و عالم النجوم و الكواكب الكوني.  و لكن ، كما يؤكد المؤلف، أنه و مع صياغة العديد من النظريات ألا أن صياغة نظرية واحدة بحد ذاتها يعتبر من المستحيل ، لأن الكون نفسه غير متجانس في جميع أجزائه و قوانينه تختلف حسب مستوياتة  . و لكن كل هذه المحاولات لم تكن بدون فائدة، بل هي كلها إنما آجزاء داخلة ضمن النظرية الكلية الشاملة التى يسعى لها العلماء. فكل معادلة أو نظرية تكمل الأخرى ضمن نفس المفهوم. فالكون ، حسب المؤلف ، ممكن فهمه و ذلك لأن ظواهره لها وتيرة مكرره محكومة بهذه القوانين الطبيعية مهما بدت لنا مختلفة عن بعضها البعض. أو بمعنى آخر ” تصرف {الكون} يمكن أن يوضع بصيغة نماذج {بالإمكان فهم أبجدياتها} “. و لكن جميع هذه النماذج تكون قاصرة ما لم تكن شاملة في نموذج واحد يشملها جميعا. و من هنا يبدأ المؤلف في مراجعة لما سبق و ذكره عن هذه القوى و ذلك بشرح هذه القوانين أو هذه النماذج مبتدءا بالكلاسيكية منها و مصنفا لها في حدود أربعة قوى ، مرورا بمحاولات العلماء لخلق النموذج الذري لهذه القوى الأربعه،  و منتهيا بالنظرية الكلية  أو نظرية “م” ، و التي يبين كيف أنها تشملها جميعا، فيقول أن ” أول قوى تم شرحها بلغة الرياضيات هي القوى الخاصة  بالجاذبية. فقانون نيوتن للجاذبية و الذي نشر في عام ١٦٨٧ ذكر أن كل شيء في العالم يجذب شيئا آخر بقوة تتناسب مع كتلته” و بين كيف أن ذلك القانون مع أنه بدى متعارضا مع بعض ما جاء في الإنجيل ، ألا أن ذلك كما يبدو لم يزعج نيوتن مع أنه هو صاحب هذا القانون . فقصة يوشع بن نون في الإنجيل تقول أنه صلى كي تقف الشمس و يقف القمر عن حركتهما حتي يطول النهار فيستفيد من ضوء الشمس و يتغلب في حربه على الأموريين في كنعان ، و هذا يعني أنه طلب من الله إيقاف عجلة الزمن لمدة أربعة و عشرون ساعة. “و حسب كتاب يوشع، فلقد توقفت الشمس تماما{عن الحركة} لمدة يوم تقريبا”. و إذا كان ذلك صحيحا فإن ذلك يعني أيضا أن الأرض توقفت عن الدوران. مما يعني أيضا و “بحسب قانون نيوتن {و الذي يقول بأن } أي شيء غير مقيد فهو يظل في حركة دائمة بنفس حركة الأرض الأصلية ( ١،١٠٠ ميل لكل ساعة عند خط الإستواء) – و هذا يعني  أن الثمن {لهذا الإجراء} سيكون غالي جدا {كل شيء سيتطاير في الهواء}” و لكن مع ذلك “فنيوتن كان يعتقد أن الله بإستطاعته، بل و بالفعل تدخل في عمل العالم {كما جاء في الإنجيل}”٠

أما القوى الأخرى  التي تم وضع قانون أو نموذج لها فلقد “كانت القوى الكهربية و القوى المغناطيسية…فالقوى الكهربية و القوى المغناطيسية أكبر بكثير من قوة الجاذبية، و لكننا مع ذلك لا نشعر بهما عادة في حياتنا اليومية لأن الأجسام الماكروسكوبية {التي نستطيع التعامل معها في حياتنا اليومية} تحتوي على شحنات متساوية تقريبا من السالب و الموجب ، و هذا يعني أن القوى الكهربية و القوى المغناطيسية بين جسمين ماكروسكوبيين تحذف  بعضها البعض {ناتج الجمع الجبري}، أما قوى الجاذبية {بين الأجسام الهائلة} فهي مختلفة في كونها تضاف لبعضها البعض” ٠

أما أهم الإستكشافات في هذا المجال فلقد كان تأثير كل من القوى الكهربية و القوى المغناطيسية ببعضها البعض؛ فالشحنة الكهربية المتحركة تحدث قوة علي المغناطيس، و المغناطيس المتحرك يحدث قوة علي الشحنات الكهربية (هذا ما لاحظه لأول مرة الفيزيائي الدانماركي هانز كريستيان أورستيد}٠

Hans Christian Ørsted

في عام ١٨٢٠ و ألف المصطلح العلمي الذي نعرفه اليوم بالكهرومغناطيسية

Electromagnetism

و بعد سنوات قليلة جاء العالم الإنجليزي مايكل فارادي

Michael Faraday

ليبين لنا ” بإنه إذا كان بمقدور التيار الكهربائي إحداث مجال مغناطيسي، فالمجال المغناطيسي بإمكانه إحداث تيار كهربائي (١٨٣١)” و من ثم ” إكتشف فرادي العلاقة بين الكهرومغناطيسية و الضوء عندما بين أن المغناطيسية الشديدة تستطيع إستقطاب الضوء”٠

Light Polarization

أما أحد أهم المكتشفات العلمية علي الإطلاق فهو فكرة مجالات القوى أو بالأحرى إنتشار القوى في مجالات موجية و التي أثبتها فرادي بالتجربة العملية مع أنه لم يتمكن من وضع النموذج الرياضي لها، و كانت هذه هي البداية الحقيقة لمعرفة طبيعة و خواص جميع القوى في الكون،  فحسب ما جاء على لسان  المؤلف ” اليوم نحن نعتقد أن جميع القوى تنتشر بطريقة المجالات، و لذا فهذه الفكرة التي إبتدأت مع فرادي تعتبر اليوم عامل مهم جدا في الفيزياء الحديثة كما أصبح كذلك في عالم الخيال العلمي {فلم ميتركس مثلا مبني على هذه الفكرة الثورية } “٠

و في “عام ١٨٦٠ طور الفيزيائي الإسكوتلندي  جيمس كليرك ماكسويل

James Clerk Maxwell

ما ذكره فارادي و قدمه بصورة نموذج رياضي مفسرا بذلك العلاقة الذاتية الغامضة بين الكهرباء و المغناطيس و الضوء. و كان الناتج مجموعة من المعادلات تقوم بتفسير القوة الكهربية و القوة المغناطيسية كتجسيد لنفس الكينونة الفيزيائية، و  سماها المجال الكهرومغناطيسي . فماكسويل {إذا، كان له الفضل في } توحيد الكهرباء و المغناطيسية بصورة قوة واحدة. و علاوة على ذلك بين ماكسويل  أن هذه المجالات الكهرومغناطيسية تنتشر في الفضاء بصورة أمواج…و قد إكتشف {بعد ذلك} أن الضوء هو بنفسة موجة كهرومغناطيسية، حدد سرعته و التي ظهرت في معادلاته كثابت. و اليوم نحن  نسمي المعادلات التي تفسر المجالات الكهربية و المغناطيسية بمعادلات ماكسويل. أما تطبيقات ذلك في الحياة اليومية فهائلة، فهي لا تقتصر فقط على الأدوات الكهربية التي نستخدمها بصورة يومية في { صالات و مطباخ و كراجات} منازلنا و في كمبيوترات {مكاتبنا}، و لكنها أيضا أفادتنا في تفسير الموجات الغير ضوئية، كمثل موجات المايكرويف، و موجات الراديو، و موجات الأشعة تحت الحمراء، و أشعة إكس {التي نستخدمها في جميع مجالات حياتنا}. و كل تلك الموجات {مشابهة لموجات الضوء المرئي} و لا تختلف عنها إلا بشيء واحد فقط ألا و هو طول الموجة”٠

أما أينشتاين و الذي كان في السادسة و العشرون من عمره في سنة ١٩٠٥ م  فقد نشر ورقة علمية عنوانها ” الديناميكية الكهربية للأجسام المتحركة” إفترض فيها إفتراض بسيط بأن قوانين الفيزياء و بالأخص سرعة الضوء يجب أن تبدو ثابتة لجميع المشاهدين المتحركين بصورة نسبية لبعضهم البعض. و هذه الفكرة، أصبحت فيما بعد، تتطلب ثورة في نظرتنا {كبشر} لمفهوم الزمان و المكان..فأينشتاين عمل الإستنتاج المنطقي أن قياس الزمن ، كقياس المسافة {الداخلة ضمن الإعتبار} تعتمد علي المشاهد الذي يعمل القياسات. و هذا التأثير كان أحد المفاتيح في نظرية أينشتاين التي وضعها في ورقته العلمية في عام ١٩٠٥، و التي أصبحت بعد ذلك {دعامة} لنظريتة التي سميت بعد ذلك بالنظرية النسبية الخاصة”٠

و لقد بين عمل أينشتاين أن ” الوقت لا يمكن أن يكون مطلق، مثلما كان نيوتن يتصور. أو بمعني آخر، ليس من الممكن أن نحدد لكل حادث وقت معين يتفق عليه كل المشاهدين. فكل مشاهد له قياس للوقت خاص به، و الوقت المقاس من قبل مشاهدين أثنين عندما يكونان في حالة حركة ، كل منهما نسبة إلي الآخر، لن يكون نفس الشيء. و فكرة آينشتاين هذه تتعارض مع بديهياتنا لأن تأثيرات {هذه الفكرة} غير محسوسة في السرعات التي نتعرض لها في الحياة اليومية. و لكن هذا ما تم التأكد منه بالتجارب المتكررة”٠

و بسبب ما قدمه أينشتاين في نظريته ” إستوعب الفيزيائيون  بأنهم عند مطالبتهم بتثبيت سرعة الضوء في جميع مستويات الإسناد، فمعادلات ماكسويل للكهرباء و المغناطيسية تفرض علينا عدم معاملة البعد الزمني بصورة مستقلة عن الأبعاد المكانية {الثلاثة:طول عرض و إرتفاع}. بل البعد الزمني و الأبعاد المكانية {عليها أن تكون} متداخلة. إنه شيء شبيه بإضافة إتجاه رابع هو الماضي\المستقبل لما هو معتاد من يمين \ يسار ، أمام \ خلف ، أعلى \ أسفل. و سمى الفيزيائيون هذا التزاوج بالزمكان”٠

Space-Time

و في خضم محاولات آينشتاين بإدخال الجاذبية في معادلاته فطن أنه “حتى يجعل الجاذبية ملائمة لنظريته النسبية، فكان لابد له أن يعمل تغيير آخر {للنظرية}. فحسب نظرية نيوتن للجاذبية، في أي زمن معين تنجذب الأشياء إلي بعضها البعض بقوة تعتمد علي المسافة بينهم في ذاك الزمن. و لكن بما أن النظرية النسبية كانت قد قضت علي فكرة الزمن المطلق ، و عليه فلا توجد وسيلة لتعريف أي زمن {معين } يتم فيه قياس الكتل… وبعد إحدي عشر سنة لاحقة طور آينشتاين نظرية جديدة للجاذبية مختلفة عن مفهوم الجاذبية في نظرية نيوتن، سماها النظرية النسبية العامه. و كانت نظريته فكرة ثورية علي مفهوم الكون المسطح ، أي إعتمد فيها على أن الزمكان غير مسطع، كما تم قياسه و إعتماده بالسابق، و لكنه منحني و مشوه بسبب الكتل و الطاقات التي تحتويه٠

و هندسة الأبعاد المكانية المنحنية مثل سطح الأرض  ليست كالهندسة الخاصة بالأبعاد المكانية المسطحة في نظريات إيكليدس و التي كان العالم معتاد عليها {حتي تلك الفترة}… ففي نظرية آينشتاين، تتحرك الأشياء بصورة تسمى جيوديسية

Geodesics

و التي هي أقرب شيء إلي الخط المستقيم في البعد المكاني المنحني

والأهمية الحقيقية للنظرية النسبية العامة لا يكمن فقط في تطبيقاته بأجهزة مثل جي بي إس

(GPS)

و التي نستخدمها للإستدلال علي العناوين في سياراتنا و حسب، و لكن أيضا في كونه يعطي نمودج مغاير و بصورة كبيرة للعالم {من سابقتها}، و هذه الصورة تتنبأ بتأثيرات {كونية} جديدة مثل الأمواج المتجاذبة و الثقوب السوداء. و عليه فهذه النظرية حولت علم الفيزياء إلي علم الهندسة. هذا و لقد أتاحت لنا التكنلوجيا الحديثة بإجراء العديد من الإختبارات الحساسة علي النظرية النسبية العامة للتأكد من صحتها، فنجحت في كل واحدة منها بلا منازع٠

و مع ذلك فنظرية آينشتين، و نظرية ماكسويل ، كما كانت نظرية نيوتن قبلهما ، تظل  جميعها نظريات كلاسيكية لأنها تعتمد علي نموذج أحادي التاريخ. و كل هذه النماذج لا تطابق المشاهدات في المستوى الذري {و ما تحت الذري للكون}”. و لكنها مع ذلك تؤدى الغرض المطلوب منها في إستخداماتنا  ” من أجل عمل الحسابات العملية و التي تخص عالمنا اليومي. فنحن بإمكاننا أن نستمر في إستخدام النظريات الكلاسيكية، و لكن إذا كنا نريد أن نفهم تصرفات الذرات و الجزيئات، فنحن بحاجة إلي الصيغة الذرية لقانون ماكسويل الخاص بالكهرومغناطيسية؛ و كذلك إذا أردنا معرفة العالم في بداياته، عندما كانت المادة و الطاقة جميعها مضغوطة في حجم صغير، فنحن بحاجة إلي الصيغة الذرية للنظرية النسبية العامة. و كذلك نحتاج إلي هذه النوعية من النظريات لأننا إذا كنا بصدد البحث عن أساسيات الطبيعة {و بدقة متناهية}، فلن تكون حساباتنا متوافقة إذا كانت بعض قوانيننا ذرية و الأخري كلاسيكية، و عليه فيجب علينا إيجاد صيغ ذرية لكل القوانين في الطبيعة. و هذه النظريات {بمجملها} تسمي نظريات المجال الكمي”٠

Quantum Fields Theories

و رجوعا للقوى الكلاسيكية فالقوى الثالثة حسب تصنيف المؤلف هي “القوى النووية الضعيفة ( هذا ما يسبب الإشعاعات الراديوية و يلعب دورا مهما في تكوين العناصر في النجوم و كان لها تأثير في بدايات العالم، و نحن في العادة لا نصادف هذه القوة في حياتنا اليومية)”، و أما القوى الرابعة فهي “القوى النووية القوية ( و هي الطاقة التي تربط البروتونات و النيوترونات في داخل نواة الذرة. كما تربط {جزيئات} البروتونات و {جزيئات} النيوترونات الداخلية و التي هي عبارة عن جزيئات أصغر مثل الكواركس}. كما أنها  هي مصدر الطاقة الشمسية، و الطاقة الذرية و لكن نحن لا نتصل مباشرة بها)”٠

و حتى نصل للنظرية الشاملة فلابد من عمل نسخة من جميع القوى الأربعة السابق ذكرها في المجال الذري أو الكمي. و من هذا المنطلق ظهرت : القوى الكهروديناميكية للجاذبية

(QED)

و التي قدمها ريشارد فينمان في عام ١٩٤٠م و عبر فيها عن المجالات الكهرومغناطيسية بكونها سحابات من جزيئات القوى متناوبة الوجود مع  جزيئات المادة في حركة دائمة ، صورها بعدة رسومات تحتوي على مجموعة جزيئات القوى البوسونات أو الفوتونات

bosons (photons)

في خطوط حلزونية . و الجزيئات المادية  و التي هي عبارة عن فيرميونزات أو بالأحرى الإليكترونات و الكواركس

fermions (electrons +quarks)

بخطوط مستقيمة لتسهل عملية قراءة تصرف هذه الجزيئات، و فى جميع الإحتمالات التاريخية عندما تكون في المجال الكمي أو الذري .   فالجزيء ممكن أن يكون تصرفه كتصرف المادة في لحظة ما و ينقلب للتصرف الموجي أو تصرف القوى في لحظة آخرى. أو بمعنى آخر عندما يصادم إليكترونا ما (جزيء مادي) إليكترون آخر فهو يصدر فوتونا {طاقة} في إتجاه ما و يغير كل إليكترون مجال سيره حتى يصطدم كل منها بإليكترون آخر و هكذا في حركة لامتناهية. و يمكن للقاريء تصور مدى صعوبة صياغة معادلات ذرية لتفسير هذه المسارات. و لكن مع ذلك فلقد تم إختبار تنبؤات الكيو إي دي و تبين أنها تطابق النتائج التجريبية بدقة متناهية٠

أما أهم ما تم إستنتاجه من هذه التجارب و هو المهم بالنسبة لموضوعنا  فهو معلومة أنه لا يوجد شيء إسمة الفضاء الخالي.  فالجزيئات المادية \ القوى تنتشر بصورة دائمة في الكون ، و ذلك لأن “الفضاء الخالي يعني أن قيمة المجال و درجة تغيره هو صفر بالضبط. ( إذا لم تكن درجة تغيير المجال  صفرا، فهذا يعني أن الفضاء لن يضل خالي) و بما أن مبدأ الريبة لا يسمح لقيمة الإثنين {المجال و درجة تغييره} أن يكونا دقيقان في آن واحد، فالفضاء لا يمكن أن يكون خاليا. بل هو في وضع الطاقة الأقل الممكنة {تقريبا صفر}، و هذه الحالة تسمي تذبذب الفراغ بالجزيئات و المجالات القافزة في الوجود و خارجه. {و هذا يعني أن الشيء ممكن أن يتواجد من اللاشيء عندما يكون المجال ذري }”٠

Vacuum Fluctuations and Quivering in and out of Existence

و بالإمكان تصور تذبذب الفراغ كجوز من الجزيئات {إحدهما قرين الآخر , مساوي له بالمقدار و مخالف بالشحنة}،  يظهران مع بعض في وقت معين، ثم يبتعدا عن بعض{فيحدثان طاقة صغيرة فى الفراغ} و من ثم يتقابلان ليقضي أحدهما علي تأثير الآخر{فتصبح في هذه اللحظة الطاقة في الفراغ صفرا}”. و تسمى هذه  الجزيئات بالجزيئات الإفتراضية

virtual particles

و ذلك لأنها ” علي خلاف الجزيئات الواقعية، فالجزيئات الإفتراضية لا يمكن مشاهدتها مباشرة عن طريق كاشف الجزيئات، و لكن ممكن أن نقوم بقياس تأثيرها غير المباشر، مثل التغيير الصغير في الطاقة الخاصة في المدار الإليكتروني للإليكترون ، و يتفق مع التنبؤات النظرية بصورة كبيرة الدقة  لدرجة تدعو إلي الدهشة. و المشكلة هي في كون الجزيئات الإفتراضية لها طاقة، و لأنه هنالك عدد لا نهائي من هذه الأزواج الإفتراضية، لذا فهي لها كمية كبيرة من الطاقة {لا يمكن تجاوزها على أي حال}. و حسب النظرية النسبية العامة، هذا يعني أن هذه الجزيئات تعمل علي إنحناء العالم إلي قياس لانهائي في الصغر، و هذا بالطبع لا يحدث{في الواقع المعاش}”٠

أما بالنسبة للجاذبية و محاولات إيجاد النسخة الذرية منها ففي عام١٩٧٦ “تم تطوير نظرية الجاذبية الخارقة أو ما يسمى بالتطابق أو التناظر الخارق. و هذا التطابق الخارق يعني بأن لكل جزيء قرين مساو له بالمقدار و مخالف فى الإتجاه ، أي أن جزيء القوة و جزيء المادة هما في الواقع وجهين لعملة واحدة…و هذا يعني أن كل جزيء مادي، كالكواركس مثلا، لديه قرين جزيئي هو جزيء القوى، كالفوتون … و أغلب الفيزيائيون يعتقدون اليوم أن الجاذبية الخارقة  كانت هي الإحتمال الأقوى للإجابة علي مشكلة توحيد الجاذبية مع بقية القوى الثلاثة الأخرى {في المجال الذري}” و مع أنه ” لم يتم مشاهدة مثل هذا القرين الجزيئي في الطبيعة. و لكن الحسابات المتعددة و التي أجراها الفيزيائيون تبين أن الجزيء القريني الخاص بالجزيئات المادية بالإمكان مشاهدتها إذا كانت آلاف المرات أكبر بالكتلة  من البروتون” و لذا  فهنالك أمل بأن هكذا جزيئات ممكن خلقها في {تجربة } تصادم الهيدرون الكبير في جنيف”، حيث يقوم العلماء بمحاولة إصطدام بروتونين في سرعات شديدة معاكسة لبعضها البعض لخلق جو يشبه جو الإنفجار الكبير و لدراسة كل ما ينتج من جزيئات من خلال هذا التصادم٠

و يقول المؤلف أن “فكرةالتناظر الخارق كان هو مفتاح خلق الجاذبية الخارقة، مع أن الفكرة {لم تكن جديدة} و لكنها في الواقع كانت قد إبتدأت بسنوات عديدة مع ظهور فكرة لنظرية  كانت تسمي نظرية الوتر

String Theory

و حسب نظرية الوتر، فجزيئات {المادة} ليست نقاط {في فراغ} ، و لكنها مجموعة {كسحابة} من الذبذبات، لها طول و ليس لها عرض أو إرتفاع- مثلها كمثل قطع لانهائية من الأسلاك الرفيعة…تقود إلي مالانهاية . و لكنها في بعض المواضع الصحيحة تحذف تأثير بعضها للبعض الآخر. و لها خاصية غير إعتيادية أخري: تكون متوافقة مع بعضها فقط عندما تكون الأبعاد الزمكانية تساوي عشرة أبعاد {البعض يقول الآن بأنها إحدى عشر} ، بدلا من الأربعة المعتادة” ، أي أن عالم الذرة عالم يحتوي علي عشر أبعاد متصلة ببعضها البعض بأسلاك رفيعة جدا. و حسب نظرية الوتر “فهذه الأبعاد تكون منحنية في الفضاء إنحناءات صغيرة جدا بالحجم ( المكان الداخلي)” لها قيمتها في المجال الذري مع أننا لا نشعر بها في حياتنا اليومية ٠

هذه المعلومة كان لها أهمية فيزيائية عظيمة. ففي عام ١٩٩٤” بدأ الناس يكتشفون المزدوجات – و هي أن النظريات المختلفة و الخاصة بالوتر و الطرق المختلفة للإنحناءات الخاصة بالأبعاد الإضافية،  هي {في الواقع} طرق مختلفة لشرح ظاهرة واحدة في الأبعاد الرباعية. و الأكثر من ذلك ، أنهم وجدوا أن الجاذبية الخارقة لها أيضا علاقة بنظريات أخري و بنفس الطريقة. و أنها جميعا ” مجرد تقريبات ضمن مفهوم أساسي، و لنظريات كل منها صحيحة في أحوال معينة”٠ و تم تسمية “النظرية الأساسية أو الأكثر إبتدائية بنظرية “م”… فحتي نفسر العالم، فنحن بحاجة إلي أن نطبق عدة نظريات في عدة حالات. كل نظرية تحمل في طياتها نسختها الخاصة من الواقع، و لكن حسب الحتمية العتمدة علي النمودج، فهذا مقبول طالما تتفق هذه النظريات مع التنبؤءات إينما حصل بينها تداخل. أي عندما يكون ممكنا لتطبيقها في نفس الحالة {فتعطي نفس النتيجة}… و الناتج النهائي لجهد العلماء كان {إكتشاف} عدد من الأكوان بقدر ١٠ مرفوعة لقوى ٥٠٠ ، كل منها لها قوانينها المختلفة، واحدة منها فقط تطابق {حسب علمنا} القوانين الخاصة بالكون كما نعرفه”٠

و إستنادا على ما فات “فالحلم الأصلي للفيزيائيين في إنتاج أو صياغة النظرية الواحدة {الشاملة} و المفسرة لمجموعة القوانين الخاصة في عالمنا كقانون واحد فريد من نوعه و ناتج عن بعض الإفتراضات البسيطة فقد يكون قد آن الآوان أن نتخلى عنه”. و لكن أين سيقودنا ذلك؟

و هذا ما يتساءل عنه المؤلف ، فإذا كانت نظرية “م” تسمح” لعشرة مرفوعة لقوة خمسمئة مجموعة من {الأكوان المحكومة بالقوانين المختلفة} بالحدوث، فكيف إنتهينا في هذا العالم، مع قوانينها البادية لنا؟ و ماذا عن إحتمالية وجود كل تلك الأكوان؟” و هذا ما يجيب عليه في الفصل السادس٠

يتبع

كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٥)٠

تطرقنا في البوست الماضي إلى مصطلح التواريخ المتناوبة أو

Alternative Histories

فيما يخص دراسة الكون و بداياته، و هي بإختصار نظرة أو واجهة جديدة للنظر إلى الكون “فمن هذه الواجهة {و النظرة الفاحصة الدقيقة} نحن نفترض أن العالم لا يوجد له وجود واحد أو تاريخ أحادي {نستطيع أن نجزم بأنه يعكس الحقيقة المطلقة فيما يخص بداياته}، بل هو عدة تواريخ محتملة ، تتواجد كلها بصورة متزامنة {مع بعضها البعض}”، و ممكن أن نبني عليها المحصلة النهائية لما حدث للكون في عالمنا الماكروسكوبي ، و هذا هو دور الفيزياء الكلاسيكية. و ما حدنا بعمل هذ الإفتراض هو كون الجزيء أو الجسيم لا يوجد في مكان واحد و حسب، بل ممكن أن يتواجد بالصورة الذرية في أماكن أو مواقع عده {بنفس الوقت} ” و لذا فلقد قام متخصصوا هذا المجال بتسمية هذه المواقع { و التي يتناوب فيها الجسيم بالتواجد }  بالموقع الكمي { أو الذري} الخارق

Quantum Superposition

و هذه الفرضية حسب ما جاء على لسان المؤلف” قد تبدو خيالية {لعقولنا التي إعتادت على التفكير في حدود الأبعاد الأربعة الزمكانية، و لتاريخ واحد و وجود واحد} ، أو قد يبدو {التواجد المكاني المتناوب للبعض} كمن يقول بإختفاء الطاولة حالما نغادر الغرفة مثلا ” و لكنها ليست كذلك على المستوى الماكروسكوبي، أما على المستوى الذرى فإن ” الشيء المؤكد هو أن هذه الفرضية، و بهذه الطريقة المطروحه {مع غرابتها}، نجحت في كل التجارب التي خضعت لها {بعمل التنبؤات حتى الآن}” و عليه فالمؤلف يسهب في شرحها بدءا بالسؤال الذى طرحه بالسابق، و هو السؤال الثالث و الذي يقول: هل توجد مجموعة واحدة فقط من القوانين؟” أو لماذا هذه القوانين، و هل يمكن الإستعاضة عنها بقوانين أخرى؟ و من هذا المنطلق يبدأ الفصل الرابع من الكتاب٠

٤- الفصل الرابع : التواريخ المتناوبة

يقول المؤلف أنه ” في خلال الألفين سنة ، أو ما يقارب ذلك ، من بداية تاريخ العلوم الطبيعية،  كانت التجارب المختبرية  العادية و الحدس و البديهه هما القواعد {الأساسية} التي تستند عليها التفسيرات النظرية {سواء في علوم الفيزياء أو غيرها من العلوم}. و لكن مع تطور أنظمتنا التكنولوجية {القياسية منها بالذات} ، و التي وسعت بدورها نطاق الظواهر التي  أصبح بإمكاننا مشاهدتها {بهذه الأجهزة}  بدأنا ندرك تدريجيا كيف أن الطبيعة { ليست كما تبدو لنا أو أنها} تتصرف بطرق أقل مطابقة لما نجربه في حياتنا اليومية، و بالتالي {أقل تطابقا } مع بديهياتنا.” و ليشرح المؤلف ما يقصد بذلك فلقد قام بتقديم تجربة  الشقوق المزدوجة الشهيرة بإستخدام كرات الباكيبول البالغة الصغر و التي هي عبارة عن جزيئات من الكربون تشبه بالصورة لكرة القدم {بدلا من إستخدام الضوء}، ليبين كيف أن جزيئات كل المواد تتصرف بصورة إزدواجية كما يتصرف الضوء. و االكليب التالي يبين التجربة بإستخدام الإليكترون :٠

هذه التجربة هي من التجارب النموذجية لظاهرة لا يمكن إحتوائها {و تفسيرها} بالفيزياء الكلاسيكية {أي أن تصرف المادة في الحالة الذرية تختلف عن تصرفها في الحجوم التراكمية على مستوى حياتنا اليومية، و عليه فلا تطبق عليها قوانيننا الكلاسيكية} و لكن من الممكن شرحها { و بإسهاب } خلال ما يسمي {بقوانين }  الفيزياء الكمية {و الخاصة بالمستوى الذري} “٠

و هذا كليب لتوضيح ما هو الباكيبول٠

كتب ريتشارد فينمان

Richard Feynman

و هو من العلماء الطليعيين في علم الفيزياء الكمية أن تجربة الشقوق المزدوجة هي في الواقع ” تحتوي علي {سر} كل الأمور الغامضة في ميكانيكية الذرات”٠

فمباديء الفيزياء الكمية لم يتم تطويرها إلا في بداية العقود القليلة من القرن العشرين بعد أن تبين قصور نظرية نيوتن في تفسير الطبيعة بالمستوي الذري – أو ما تحت الذري- حيث أن نيوتن كما أسلفنا تصور أن الضوء جزيء مادي و عليه فهو يتصرف كجسيم المادة {مع العلم بأن ذلك ليس خطأ و لكنه تفسير ناقص}  . فالنظريات الأساسية للفيزياء تشرح قوى الطبيعة و كيف يكون رد فعل الأشياء التي تتعرض لهذه القوى. أو كما يذكر المؤلف بأن “النظريات الكلاسيكية مثل نظريات نيوتن مبنية علي إيطار يعكس التجارب اليومية، و التي تكون فيها الأشياء المادية لها وجود فردي، و ممكن أن تقع بمكان معين، و تتبع طرق معينة {أو نموذجية} و هكذا.  و لكن الفيزياء الكمية تعطينا إيطار لفهم كيف تعمل الطبيعة علي المستوي المقاييس الذرية و الماتحت الذرية، بصورة أكثر تفصيلا، فهي تفرض طرق مبدئية مختلفة تماما {عن ما تعودناه في الفيزياء الكلاسيكية}، طرق لا يكون فيها للمادة تعيين {أو ثبات}  دقيق، لا كموقع  و لا كمسار و لا حتي {لما كانت عليه} في الماضي أو حتى ما ستؤول إليه في المستقبل . فالنظريات الكمية لقوى مثل قوة الجاذبية  {للذرات} أو القوى الكهرومغناطيسية مبنية في ذاك الإيطار الذري {و تخضع لقوانينه}”٠

و هنا يتبادر إلى الذهن سؤال  و هو أين هو الحد الفاصل بين القوانين الكمية و القوانين الكلاسيكية، و ما هي طبيعة المرحلة أو الجزء الإنتقالي بين هذه القوانين، أو كما وضعه المؤلف بإسلوبه، “هل بإمكان النظريات المبنية بإيطارات غريبة علي الفيزياء الكلاسيكية أن تفسر الأحداث التي نمر بها في تجاربنا اليومية و التي نقوم بنمذجتها بدقة بإستخدام هذا الفيزياء الكلاسيكي؟ ” و الجواب حسب المؤلف هو “نعم، بكل تأكيد  يمكن ذلك” بل إنه يجب أن يكون كذلك لأن ما نقوم به من تجارب في حياتنا اليومية ما هو إلا التفاعل المتراكم للدقائق التي نتكون منها في الأساس. فنحن ”  و كل ما يحيطنا إنما نمثل هياكل متداخلة، مصنوعة من عدد كبير جدا من الذرات، أكبر من عدد النجوم التي بالإمكان مشاهدتها في عالمنا” كما يقول المؤلف ، ” و مع أن ما تحتويه {دقائق} الأشياء {التي نتكون منها}  تخضع يوميا لقوانين الفيزياء الكمية، فقوانين نيوتن تشكل نظريات مؤثرة في تفسير الهياكل الكلية {التراكمية و بصورة تقريبية} و التي تشكل تصرف الأشياء في عالمنا يوميا”٠

قد يبدو ذلك غريبا، كما يؤكد المؤلف، “و لكن هنالك الكثير من التجارب العلمية التي بينت أن الكتل الكبيرة تبدو أنها تتصرف بصورة مغايرة لتصرف محتوياتها الأصغر. فرد فعل العصب الواحد في الدماغ {لتأثير ما} مثلا لا يعكس العمل الكلي للدماغ. و لا معرفة {خواص} جزيء الماء يعطينا صورة عن تصرف البحيرة”٠

أما كيف يمكن أن تنبثق قوانين نيوتن إبتداءا بالمجال الذري. فالمؤلف يؤكد أن الفيزيائيون في الواقع لازالوا في صراع التنافس لمعرفة ذلك. و لكن “ما نعرفه {بالتأكيد} أن المحتويات {الصغيرة} لكل الأشياء تخضع لقوانين الفيزياء الكمية، و أن القوانين النيوتونية تمثل حالة تقريبية جيدة لتفسير الطريقة التي تتصرف فيها الأشياء الماكروسكوبية و التي تعتمد {أساسا} علي تصرفات مكوناتها الذرية. و عليه فتنبؤات النظريات النيوتونية تطابق واقعنا المعاش من خلال تجاربنا اليومية” . و لكن “إذا نظرنا إلى هذه  الذرات و الجزيئات { بصورة مستقلة} فهي تتصرف بصورة مختلفة تماما عن ما نراه في تجاربنا اليومية، و هي الصورة الأفضل للواقع إذا أردنا معرفة ماذا يحدث فيه{بصورة أدق}، و عليه فالفيزياء الكمية هي النمودج الجديد  لهذا الواقع و الذي يعطينا صورة عن الكون {و خصوصا في بداياته} بدقة أكبر” . و هي الواجهة التي يستخدمها المؤلف في تحليلاته بصورة عامة٠

يقول المؤلف عن تجربة الشقوق المزدوجة و التي كان أول من قام بعملها هما العالمان “كلينتون ديفيسون و ليستر جيرمر في سنة ١٩٢٧ م

Clinton Davisson and Lester Germer,experimental physics at Bell Labs

في مختبرات بل، حيث كانوا يدرسون كيف يتعامل شعاع من الإليكترونات- و الإليكترونات هي جزيئات أبسط من كرات البكيبول بكثير- مسلط على كريستال مصنوع من النيكل.” يقول أنها كانت سببا لقيام الكثير من التجارب المشابهة لها فيما بعد ” فتصرف جزيئات كالإليكترونات بصورة تماثل تصرف الأمواج المائية هو ما أعطي الإلهام للكثير من الفيزيائيين بالقيام بمثل هذه التجارب المثيرة في الفيزياء الكمية {رغم رفضهم في البداية للإقرار بذلك التصرف} . و بما أن هذا التصرف لا يمكن مشاهدته بالمستوي الماكروسكوبي {الحياة العادية}، فالعلماء كانوا يتساءلون كم يجب أن يكون حجم و تعقيد الجزيء حتي يتصرف كتصرف الأمواج… و بصورة عامة، كلما كان الجزيء أكبر حجما كلما بدي أقل نشاطا و تأثرا {بالقوانين الخاصة بالخواص } الذرية لها…و مع ذلك فهنالك من التجارب التي قام بها الفيزيائيون و تم تسجيل مشاهدات الظاهرة الموجية مع جزيئات كبيرة الحجم {نسبيا} و هم يتمنون بأن يكرروا تجربة الباكيبول {أو الكرات الكربونية}  بإستخدام الفيروسات، و التي هي ليست فقط أكبر بكثير {من أي شيء تم إختباره بالسابق }  و لكن أيضا لان البعض يعتبره كائن حي” كما يقول المؤلف٠

و قبل أن ندخل في تفاصيل النظريات الكمية فهنالك بعض من السمات الخاصة بتصرف المواد تحت قوانين الفيزياء الكمية نحتاج إلي معرفتها حتي نفهم المناقشة التي يخوضها المؤلف في الفصول اللاحقة. أحد هذه السمات هي “الإزدواجية المادية\الموجية ” للجزيئات الذرية و ما تحت الذرية، كما ذكرناها سابقا، هذا مع العلم بأن فكرة أن الضوء {و الجزيئات المادية الأخرى } يتصرف كتصرف الأمواج لم تكن مقبولة في السابق ألا أنها أصبحت مقبولة اليوم ” و لم تعد تفاجئنا. فالخاصية الموجية للضوء تبدو اليوم طبيعية للإستخدام، و تعتبر حقيقة مقبولة {بين الأوساط العلمية} لمدة قرنين تقريبا… و اليوم نسمي { هذه الجسيمات } فوتونات. فكما أن {أجسامنا} عبارة عن عدد كبير من الذرات، فالضوء الذي نراه في حياتنا اليومية عباره عن عدد كبير جدا من الفوتونات- حتي مصباح الليل الذي لا يتعدى قوته واط واحد فقط يصدر بليون فوتون في كل ثانية” . أما الجزيئات المادية فمع أنه أخذ وقتا أكبر ليقبل إزدواجية تصرفه ألا أنه أصبح اليوم واقع معترف به بسبب هذه التجارب المشابهة لتجارب الباكيبول٠

أما السمة الرئيسية الأخري لتصرف المواد في تحت قوانين الفيزياء الكمية فهو ما يعرف “بمبدأ الريبة أو

The Uncertainty Principle

و هو المبدأ الذي قام بصياغته ويرنر هايزنبرغ في عام ١٩٢٦

Werner Heisenberg

حيث يقول هايزنبرغ بأن هنالك حدودا لقدرتنا في عمل القياس المتكرر لمدخلات معينة، مثل موقع و سرعة الجسيم. فحسب هذه الخاصية، علي سبيل المثال، فإن حاصل ضرب “مبدأ الريبة في موقع الجسيم” في “عزمه ( و هو حاصل ضرب كتلة الجسيم في سرعته) ” ، يعطينا ناتج لا يمكن أن يكون، بأي حال من الأحوال، أصغر من كمية محددة تسمى ثابت بلانك

Planck’s Constant

و كلما كنا دقيقين أكثر في قياس سرعة {الجسيم أو الفوتون}، كلما أصبحت الدقة في قياس موقعه أقل، و العكس صحيح {و لذا تسمي بمبدأ الريبة}”٠

قد تبدو المعلومة أعلاه و الخاصة بثابت بلانك غير ضرورية في هذا التلخيص، حيث أنها تدخل بتعمق في عمل الذرات. و لكني رأيت أهمية إضافتها هنا لأنني قرأت و سمعت من الكثيرين الذين يقولون بدقة عمل الكون المتناهي في التنظيم و يستشهدون بثابت بلانك. و في الواقع عندما يفعلون ذلك فهم يستخدمون هذا الثابت للمقارنة   علي المستوى الماكروسكوبي للأشياء في حياتنا و تجاربنا اليومية. و هذا هو الخلط، فحسب المؤلف ذلك غير وارد لأنه ”  بالقياس إلي وحداتنا اليومية من قياسات للمتر و الكيلومتر و حتي الثانية {في حساب الوقت}، فثابت بلانك لاشك أنه صغير جدا…{و لكن} الوضع يكون مختلفا تماما بالنسبة للإليكترون” ٠

و رجوعا للسمة الثانية،” فبالرغم من عدد المعلومات التي من الممكن الحصول عليها أو {بالأصح } بالرغم من قوة قدراتنا الحسابية، فنتائج عملياتنا الفيزيائية لا يمكن التنبؤ بها بدقة لأنه لم يتم إيجادها بدقة {أساسا}. بل ، تقوم الطبيعة بتقرير الوضع المستقبلي من خلال عمليات تكون مبدئيا غير دقيقة عندما يتوفر لها الوضع الأولي”٠

و بمعنى آخر- قبل أن يضيع القاريء في خضم المصطلحات و المعادلات العلمية – بإختصار شديد ” الطبيعة لا تفرض نتائج أية عملية أو إختبار، حتي في أبسط الأوضاع. بل تسمح بإحتمالات عديدة، كل حالة لها إحتمالية حدوث معين ”  ٠

و علي ما فات فالفيزياء الكمية قد تبدو و كأنها تؤكد فكرة أن الطبيعة تخضع لقوانين ثابتة، و لكن  المؤلف يقول أن “هذا غير صحيح”. بل الأصح أن الطبيعة “تقودنا إلي الموافقة علي صورة جديدة من الوجودية: فبمعرفة وضع نظام معين بوقت معين، تعمل قوانين الطبيعة علي إيجاد إحتمالات مستقبلية و ماضيوية بدلا من إيجاد الوضع المستقبلي و الوضع الماضيوي لهذا النظام {بصورة فردية و بدقه}” و مع أن البعض لا يستسيغ هذه الفكرة، كما يقول المؤلف ” فالعلماء عليهم أن يقبلوا بالتجارب التي تتفق مع الإختبارات، و ليست تلك التي تتفق مع بديهياتهم “٠و ذلك لأن ما يتطلبه العلم من النظرية “هو أن يكون بالإمكان إجراء الإختبارات عليها {و التأكد منها}. فإذا كانت الطبيعة الإحتمالاتية للتنبؤات تعني أنه من المستحيل أن نؤكد هذه التنبؤات، إذا فنظريات الفيزياء الكمية تكون{ في هذه الحالة} غير مؤهلة كنظريات شرعية {صحيحة}. و لكن {ذلك لا يطبق على النظريات الكمية} فعلي الرغم من طبيعة التنبؤات الإحتمالية {المتعددة} لهذه النظريات، فنحن بإمكاننا أن تختبر هذه النظريات {و بكل نجاح في كل مرة نجري التجربة}. فعلى سبيل المثال، نحن بإستطاعتنا أن نكرر {أي } إختبار لمرات عديدة و نؤكد على تكرار كذا ناتج لجميع الإحتمالات التي تم التنبؤ بها مسبقا” أو بمعنى آخر التنبؤ لا يكون على وضع منفرد و لكن لعدة إحتمالات٠

و من الأهمية بمكان ذكر أن ما نقصده بالإحتمالات في الفيزياء الكمية “ليست هي نفسها الإحتمالات في الفيزياء النيوتونية أو الإحتمالات العادية في تجاربنا اليومية” كما يؤكد المؤلف، “ فالإحتمالات في الفيزياء الذرية…تعكس العشوائية الإبتدائية في تصرف الطبيعة“. كما يؤكد المؤلف ” فالنموذج الذري للطبيعة يحتوي علي أساسيات تتعارض ليس فقط مع تجاربنا اليومية بل و مع تقديراتنا الحدسية لهذا الواقع” و هذا هو الأمر الغريب في الفيزياء الكمية . ليس علي القاريء و حسب، بل حتى علي المتخصصين في هذا العلم . فكما يقول المؤلف ”  من يجد في ذلك أمور غريبة أو صعبة الفهم {فلا يلام على ذلك} لأنه {يتساوى} مع فيزيائيين عظماء من أمثال آينشتاين و حتي فينمان… و لقد كتب فينمان { بنفسه } مرة يقول، ” أعتقد بأني أستطيع أن أقول أنه لا يوجد من يفهم ميكانيكية الذرات”، و لكن { مع ذلك} فالفيزياء الكمية تتفق مع المشاهدة. و لم تسقط بأي تجربة عمليه مع أنها من أكثر التجارب التي خضعت للإختبار في جميع العلوم التجريبية”٠

و تجدر الإشارة هنا أنه في عام ١٩٤٠ “صاغ ريتشارد فينمان معادلة رياضية {عبارة عن  مجموعة تواريخ تسمى التواريخ الفينمانية} تعكس هذه الفكرة و تعطي {نموذجا} لجميع قوانين الفيزياء الكمية {الإحتمالاتية}” . فنظره فينمان للواقع الذري مهمة جدا في فهم النظريات التي يعرضها المؤلف لاحقا، و لذا فهو أخذ بعض الوقت ليشرحها في هذا الفصل و ذلك ليعطى الإحساس بكيفية عمل نظريتة٠ و في ذلك يقول المؤلف أنه “في النموذج النيوتوني يتحرك الجسم من نقطة “ا” إلي نقطة “ب” في خط مستقيم… و {لكن} في نموذج فينمان الجسيم الذري يختبر  كل طريق ممكن أن يوصله من “ا” إلي “ب”، و يجمع رقما يسمي طورا لكل طريق محتمل. و هذا الطور يمثل موقع في دائرة موجية، أي ممكن يكون هذا الموقع في أعلي الموجة أو أسفلها أو ما بين الأثنين ” . و هذه النظرية مهمة لكونها أيضا  تعطي صورة واضحة لكيفية حدوث الصورة التراكمية ، التقريبية في عالم نيوتن الفيزيائي، و التي تبدو مختلفة تماما عنها. و تعتمد نظرية فينمان، أو بالأحرى الأطوار التي رسمها لكل مسار للجسيم “علي ثابت بلانك”٠أما بالنسبة للنظام العام فإحتمال حدوث أية مشاهدات مبنية في الأساس علي كل التواريخ المحتملة التي ممكن أن تؤدي إلي تلك المشاهدة. و لهذا السبب سميت نظريتة ” المجموع الكلي للنظريات” أو “التواريخ التبادلية”لصياغة {قوانين } الفيزياء الكمية٠

و هنالك سمة ذرية أخري {مهمة} و هي أن مشاهدة النظام من شأنه أن يغير مجرى أحداثه {كما بين ذلك معلمنا في الكليب الأول}…أي أن الفيزياء الكمية تلزم بأنه حتي تتم المشاهدة ، يجب علي المشاهد أن يتفاعل مع الجسيم الذي يشاهدة “. و هذا أمر بحد ذاته في غاية الغرابة، بل أنه فتح المجال للكثير من البحوث الجديدة و التى لاتزال علي قدم و ساق لحل لغزها٠

و لكن بإختصار و بصورة عامة، فالفيزياء الذرية تقول لنا أنه “علي الرغم من كثرة مشاهداتنا للوضع الحالي، فالماضي {الذي لم نقم بمشاهدته} كما هو المستقبل، هو غير مؤكد لأنه يوجد في حيز من عدة إحتمالات. و لذا فالعالم حسب قوانين الفيزياء الكمية، لا يوجد له ماضي واحد أو تاريخ واحد، بل عدة تواريخ و أحوال و مواقع محتملة { كما أسلفنا}”٠

يتبع

كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٤)٠

الفصل الثالث: ما هو الواقع؟

أو بمعنى آخر ، إذا كانت أدمغتنا هي التي تعكس صور عن الواقع، و كل منا له وسيلته الخاصة الشخصية لعمل صورة في الدماغ لهذا الواقع، فهل ما تراه أنت هو نفس ما أراه أنا؟ و إذا إتفقنا أن لنا نظرة عامة لهذا الواقع نستطيع من خلالها أن نتفاهم و نصف ما نرى بصورة جماعية، فكيف لنا أن نعرف أن ما نراه هو صورة حقيقية ، غير مشوشة عن واقعنا؟

فكثيرا ما نصادف من يقول لنا أن عقولنا البشرية محدودة في قدراتها، و مهما رأينا و قدرنا بحواسنا أنه الواقع المنعكس من خلال هذه الأجهزة الحسية ، فإننا لن نعرف ما هو الواقع الفعلي.  و على هذا المنوال فأين هو الواقع الفعلي و كيف يكون وصفه؟

هذه الأسئلة كانت و لازالت أسئلة فلسفية أشبعوها الفلاسفة تحليلا و تمحيصا و تشخيصا و تقديرا ، أتى على ذكرها المؤلف ، بإعتقادي الشخصي، لكي يتفادى الكثير من تلك المسائل الشائكة التي من الممكن أن تثار عندما يتعمق بدوره في شرح النظرية الكلية – هذا إذا كان لهذه النظرية وجود.  ليس هذا و حسب بل أيضا ليبين لنا أنه بإستخدم إسلوب “الحتمية المعتمدة علي النموذج ” ، و الذي يقوم بشرحه بإسهاب في هذا الفصل ، تمكن المؤلف من تخطي هذه المسائل الفلسفية مؤكدا  أنه في جميع الأحوال و مهما يكن الواقع المادي في الطبيعة ، ف “الواقع ” بالنسبة لنا هو ما نقدره نحن و نتفق عليه بصورة عامة و بشروط نتفق عليها سلفا. و عليه فهو يبدأ هذا الفصل بالتطرق إلي وجهة نظر الفلاسفة “الواقعيين ” ، أو بالأحرى الذين يناقشون بعدم وجود واقع فعلي ، ليبين كيف أن الواقع هو مسألة نسبية ، فيقوم بإعطاء مثال عن سمكة  ذهبية في إناء كروي في ركن من الغرفة. فنظرة هذه السمكة إلي الكون من حولها لا تشبه نظرتنا مع أنها أيضا تخضع لقوانين معينة . و إذا كان بوسع هذ السمكة أن تضع قوانينها فهذه القوانين بالتأكيد لن تكون كقوانيننا  حتى لو كانت مشابهه لها، أو “ستكون أكثر تعقيدا من القوانين في مجالنا {بسبب وجود الحاجز المائي و الزجاج المقعر}” ، مؤكدا في الوقت ذاته أن التعقيد هنا أمر نسبي، فكما يقول المؤلف أن ” البساطه هي مسألة ذوق”. و لذا ” فإذا قامت السمكة الذهبية بصياغة قوانينها، فإنه وجب علينا الإعتراف بأن لها نظرة حقيقية للواقع {حسب رؤيتها هي}”. و وجود السمكة في عالم آخر – مائي في محيط كروي- ليس فقط هو السبب الوحيد لرؤيتها العالم من حولها بصورة مختلفة،  فهناك الكثير من الأمثلة من الواقع المعاش الفعلي لشخصين بنفس المحيط ممن لهما صورتين مختلفتين لنفس الواقع ، و هنا يعطي المؤلف مثال لأشهرها في التاريخ على الإطلاق، و كان ذلك في سنة ١٥٠م مع  نظرة بطليموس (٨٥-١٦٥م) للكون٠

Ptolemy

فبطليموس قام بشرح حركة الأجسام السماوية في الكون و قام بنشرها في نظرية جمعها في ثلاثة عشر كتابا إشتهر بالإسم العربي الماجسطي  {بسبب إهتمام العرب به و إحياؤه إبان الدولة العباسية\الأموية في الأندلس}٠

Almagest

بدأ بطليموس كتابه ” بتفسير أسباب إعتقاده بأن الأرض كروية الشكل، و أنها ثابتة {لا تتحرك} و مستقرة في مركز العالم”، حيث بدا سكون الأرض أمرا طبيعيا للشخص الواقف علي سطحها ما لم يحدث زلازل يحركها و بالتالي يشعر هو بها، كما ذكر المؤلف، و أضاف أنه ” على الرغم من وجود نموذج أرستارخوس الهيليوسنترك {أي القائلة بأن الشمس هي مركز نظامنا الشمسي في ذاك الوقت} ألا أن الإعتقادات التي صاغها بطليموس ضلت هي السائدة في محيط المثقفين الإغريق على الأقل منذ زمن أرسطو ” و التي كانت أغلبها تصر “بأن الأرض يجب أن تكون هي مركز الكون” و بناء على هذه الإفتراضية الأولية رسم بطليموس “نموذجا يجعل فيه الأرض ثابته في الوسط و جميع الكواكب و الشمس تتحرك حولها في دوائر و مدارات معقدة التركيب ، تحتوي على دوائر أخرى أصغر تسمي إيبيسايكل

Epicycles

و كأنها عجلات على عجلات، حتى يستطيع أن يفسر و يتنبأ بالأوضاع المستقبلية كما يشهدها في الواقع للحركة الكونية. و هذا النموذج بدا منطقي لدرجة أنه ” تم تبني نموذج أرسطو و بطليموس من قبل الكنيسة الكاثوليكية {و كذلك المسلمون بعد ذلك حيث أدخلوه} كتعاليم و علوم أساسية {يتم العمل بها و تدريسها للناشئة} لمدة أربعة عشر قرنا. و لم يظهر نموذج بديل إلا في سنة ١٥٤٣ من قبل كوبرنيكاس في كتابه “ثورة الكرات السماوية”٠

De revolutionibus orbium coelestium (On the Revolutions of the Celestial Spheres)

و الذي لم يتم نشره إلا في العام الذي توفى فيه مع أنه قام بكتابته عدة عقود سابقة ”  كما جئنا على ذكر ذلك سابقا. فكابيرنيكاس، مثله مثل أريستاخوس الذي أتى قبله بسبعة عشر قرنا، فسر العالم من خلال نموذج وضع فيه الشمس في حالة ثبات، و الكواكب ، بما فيها الأرض، هي التي تدور حول الشمس٠ في مدارات مختلفة، و لكن ” لم يقبل بهذا النموذج في حينه لأن مضمونه يخالف ما جاء بالإنجيل، و الذي تم تفسير محتواه إعتمادا علي النموذح القديم {البطليموسي} و الذي يقول أن الأرض هي المركز و كل شيء آخر يدور حوله {تماما كما يفعل مفسروا الإعجاز القرآني اليوم في مسألة الإنفجار العظيم و غيرها من المسائل العلمية}. هذا مع العلم أن الإنجيل لم يقل ذلك أبدا بهذا الوضوح {و بهذه الدقة} . و لكن {هذا الخلط حصل لأنه } في الواقع عندما تم كتابة الإنجيل كان الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة. و لذا أصبح نموذج كوبرنيكاس سببا لمناقشات حادة  بعد ذلك كانت ذروتها محاكمة جاليليو  الشهيرة. فالكنيسة ما كانت لتسمح  أبدا بأن يعتقد كائن من كان ” بإحتمال رأي بعد أن تم نقضة { أو تفسيره بصورة مغايرة } من قبل الإنجيل {أو بالأصح من قبل مفسريه} “٠

و لنرجع الآن إلى المثال السابق، حيث يتساءل المؤلف ” أيهما أصح؛ نموذج بطليموس أم نموذج كابرنيكاس؟” و يجادل بأن مع أنه “أصبح من المعتاد أن يقول الناس أن كابرنيكاس أثبت خطأ بطليموس، فهذه الجملة تفقد المصداقية {لأن ذلك يعتمد على الإفتراض الأصلي ، أو النظرة المغايرة الأساسية ، فيما إذا كانت الشمس أم الأرض في المركز، بالضبط مثل نظرة السمكة الذهبية}، فنظام كوبرنيكاس ، هو ببساطة معادلات للحركة في مجال القاعدة التي تفترض أن الشمس هي الثابتة {و العكس صحيح لنظام بطليموس} .” و لكن إذا كانت المسألة تعتمد فقط علي الفرضية الأولية ” فكيف لنا أن نعلم {مثلا } أننا لسنا إلا شخصيات بتمثيليات قام كمبيوتر {ما }  بخلقها؟” كما يتساءل المؤلف ، أو كما يزعم البعض بأننا لسنا إلا آلات و دمى مسيرة من قبل قوى خارقة خارجة عن نطاق إستيعابنا و عقولنا المحدودة، و أن  ما نراه هو غير ما يراه محرك هذه القوى؟٠

الفرضية السابقة مردود عليها بالطبع كما يؤكد المؤلف ، لأننا بكل الأحوال “إذا كنا نعيش في عالم خيالي إصطناعي، فالحوادث لن يكون لها بالضرورة أي منطق أو ثبات أو تقييد بقوانين ” ، و في جميع الأحوال فإننا سنسعى لوضع قوانين كي نفهم من خلالها واقعنا لأن كل ما نراه و نحس به هو المهم بالنسبة لنا و هو واقعنا حتى لو تغيرت الصورة و تغير الإفتراض الأولي، فهو سيضل بالنسبة لنا واقع لأنه ” لا توجد أية صورة- أو نظرية- مستقلة {كليا} عن فكرة الواقع{المادي}” كما أكد المؤلف . و لذا فهو قام بتبني النظرة أو الإسلوب  الذي سماه “الحتميةالمعتمدة على النموذج”٠

Model-Dependent Realism

و هي فكرة يطرحها المؤلف بمضمون  “أن النظرية الفيزيائية أو الصورة عن العالم هو بالواقع نموذج ( في الغالب ذات طبيعة رياضية) و مجموعة قوانين تربط عناصر هذا النموذج بالمشاهدة” و ذلك لكي ” يعطينا الإيطار الذي يمكننا من خلاله تفسير الفيزياء الحديثة” و يشرح ذلك بإعطاء مثال سوريالي بأنه” إذا شاهدت قطيع من الحمار الوحشي يتعاركون لأخذ مكان في موقف السيارات، هذا لأن هذا هو الواقع. و كل المشاهدين الآخرين سيقرون بنفس المشاهدة، و سيملك هذا القطيع هذه الخاصية سواء شاهدناهم أم لم نشاهدهم. و في علم الفلسفة تسمي تلك الخاصية “الحتمية””. و هذه الطريقة في رؤية الأمور ضرورية لأن “ما نعرفه عن الفيزياء الحديثة يجعل  الدفاع عن “واقعيته” مسألة صعبة. فعلى سبيل المثال حسب مباديء الفيزياء الكمية، و التي هي التفسير الواقعي للطبيعة بأدق تفاصيلها، فالجزيء ليس له مكان معين {في واقعنا} و لا سرعة معينة إلا إذا تم قياس كمياته من قبل المشاهد. و على هذا فمن غير الصحيح أن نقول أن القياس يعطي نتائج معينة لأنه الكمية المقاسة كان لها تلك القيمة في وقت عمل القياس” و كذلك “في بعض الحالات الأشياء الفردية حتي لا يوجد لها وجود مستقل، بل تتواجد فقط كجزء من مجموعة أكبر ” . فإذا مثلا ” أثبتت النظرية التي تسمي بالمباديء الهولوغرافية صحتها

Holographic Principle

فنحن و عالمنا الرباعي الأبعاد نكون ظلال في أطراف عالم أكبر ذو أبعاد خماسية {تقول النظرية أن عالمنا {المكاني} ممكن أن يكون ثنائي الأبعاد و ما نراه من البعد الثالث- ما هو إلا تفسير ماكروسكوبي لهذا الواقع}” ، كما يشرح المؤلف، و يزيد بأن ” الكثير من النظريات العلمية و التي أثبتت صحتها {في السابق} تم إستبدالها بأخري، مماثلة لها بصحة الإثبات مع إعتمادها علي مباديء جديدة عن الواقع، {مثل المثال السابق عن بطليموس، فلا نملك إلا أن نقر بأن جميعها صحيحة طالما هي في الإيطار النموذجي الذي قمنا بالأساس إفتراضه} .” و بهذا يرد المؤلف علي المناهضين لفلسفة الواقعية ، و الذين يريدون فصل واضح بين المعرفة المثبتة و المعرفة النظرية . و الذين ” هم في العادة يجادلون أنه مع أن التجربة و البرهان و المشاهدة لها وزنها المعرفي، و لكن النظريات {الفيزيائية} ليست أكثر من وسائل مفيدة لا تتضمن أية حقائق عميقة لما تحتويه الظاهرة المرئية”  كما وصفهم المؤلف. و لم يكتفي هؤلاء بدحض الواقع أو بالتقليل من قدرات الدماغ لفهم العالم الواقعي، فلقد وصل  هذا التمادي في رفض الواقع لحقائق إلى حد أن جورج بيركلي (١٦٨٥-١٧٥٣م)٠

George Berkeley

ذهب إلى القول بأنه ليس لأي شيء وجود ما عدا الدماغ و ما يحويه من أفكار {أي أنك عندما تدخل في غرفة الطعام و تشاهد الطاولة، فهذه الطاولة غير موجودة إلا في دماغك، و من شاهد فيلم “السر” يعرف ما أقصد}” ٠

أما الفيلسوف ديفيد هيوم (١٧١١-١٧٧٦م)٠

David Hume

فإنه كان الأكثر “عقلانية” عندما كتب أنه “مع أننا ليس لدينا أساس منطقي للإعتقاد بالواقع المادي المحسوس، فنحن لانملك إلا أن نصدق أنه واقع”٠

و حسب إيطار الحتمية المعتمدة علي النموذج، فيقول المؤلف بأنه “ليس هنالك جدوى من السؤال فيما إذا كان هذا النموذج حقيقي أو واقعي، و لكن المهم إذا كان هذا النموذج يتفق مع المشاهدة {الجماعية، و التنبؤات المستقبلية }. فإذا كان هنالك نموذجين يتفقان مع المشاهدة، كما هو الحال مع نظرة السمكة الذهبية و نظرتنا للعالم من حولنا، فلا يمكن القول أن أحدها أكثر واقعية من الأخرى. بل يستطيع الشخص أن يستخدم ما هو أكثر ملائمة له في الحالات التي بين يديه” أي “لا توجد طريقة لفصلنا كمشاهدين عن ما نشاهد {من الماديات} في الكون حولنا و الذي هو مخلوق {كما تصوره لنا أعضاؤنا} الحسية ، و كما هي الطريقة التي نفكر بها و نمنطق الأمور من حولنا، و بالتالي  فالمشاهدات التي نبني عليها نظرياتنا – ليست مباشرة، و لكنها بالنهاية تكون معيرة حسب عدسة معينة في البنية  التفسيرية في أدمغتنا البشرية {و هذا هو المهم بالنسبة لنا}. و عليه فالحتمية المعتمدة علي النموذج تمثل الطريقة الأمثل ، التي نفهم من خلالها الأشياء حسب ما يصل إلي الدماغ من خلال مجموعة من الإشارات الحسية عن طريق العين ” ٠

و ليست هذه المعضلة هي الوحيدة التي حلتها إستخدام هذا الإسلوب ، كما يؤكد المؤلف ، بل هنالك مشكلة أخرى ” حلتها الحتمية المعتمدة علي النموذج، أو علي الأقل حاولت تجنبها، و هي معنى الوجود.  أي ماذا يعني أن نقول أن الأشياء  التي لا نستطيع أن نراها، كالإليكترونات و الكواركس – و هي الجزيئات التي تدخل في تركيبة البروتون و النيوترون في الذره- موجودة؟” ٠

في حالة الجزيئات التحت الذرية و التي لا يمكننا أن نراها، “تكون الإليكترونات نماذج مفيدة في شرح مشاهدات { في الطبيعة}، مثال {على ذلك} تلك النقط الضوئية التي تظهر على شاشة التلفزيون (عندما نعير الموجة علي قناة غير مستخدمة). و كذلك لشرح الكثير من الظواهر الأخرى حتى لو لم تكن مرئية. فثومسون

J. J. Thomson

مثلا، و الذي يرجع له الفضل في إكتشاف الإليكترون ،  لم يرى الإليكترون في أرض الواقع أبدا . و حتي تخميناته بوجوده لم يتم بعرضه بطريقة مباشرة و لا حتي عن طريق تجاربه. و لكنه تبين {بعد ذلك} أن النموذج {الذي قام بإفتراضه للإليكترون} كان حاسما {و مهما} في الكثير من الأمور العلمية إبتداءا من التطبيقات الخاصة بالعلوم الأساسية {لفهم الظواهر الطبيعية} و إنتهاءا إلى {التطبيقات} الهندسية في التكنولوجيا {و التي صارت من مستلزمات حياتنا اليومية}. و اليوم يعتقد جميع العلماء {بلا منازع} بوجود الإليكترون، حتي مع عدم قدرتنا رؤيته. و الكواركس الذي لا نستطيع أن نراه أيضا هو نموذج لتفسير خواص البروتون و النيوترون داخل نواة الذره. فمع أن البروتونات و النيوترونات نقول عنهما أنهما مصنوعتان بتركيبة من الكواركس، فنحن لم نرى الكواركس أبدا لأن القوة الرابطة بين الكواركس تزداد مع إنفصال هذه الجزيئات، و عليه فلا يمكن أن تتواجد الكواركس بصورة منفردة في الطبيعة {تمكننا من مشاهدتها بهذه الصورة}، و عليه فهي دائما ما تتواجد في مجموعات ثلاثة (بروتونات و نيوترونات)، أو بالتزاوج بين الكواركس و قرينتها الأنتي-كواركس و تتصرف و كأنها مربوطة برباط مطاطي”٠

هذا و يؤكد المؤلف بأن فكرة إفتراض قوة ما و تسميتها بدون المشاهدة كانت صعبة علي العلماء و لمدة طويلة {و الكثير من المسلمين ، المؤمنين بوجود الله قارن وجود الإليكترون بوجود الله من حيث عدم إستطاعة رؤيته مع أن المقارنة هنا غير منطقية }، أو كما ذكر بإسلوبة  أن ” فكرة تخصيص الواقعية إلى جزيء غير مرئي كان ، كمبدأ ، صعبا على الكثير من الفيزيائيين ،  و لكن على مر السنوات، و بعد أن قاد الكواركس لتنبؤات صحيحة أكثر فأكثر، إختفى بالتدريج هذا الإعتراض من قبلهم” ٠

و على كل ما فات، فالحتمية المعتمدة على النموذج بإمكانها أيضا أن تعطينا إيطار لمناقشة أسئلة عديدة منها على سبيل المثال” إذا كان العالم مخلوق بزمن معين في الماضي، فماذا حصل قبل هذا الزمن؟” حيث أجاب الفيلسوف المسيحي القديس أوغسطين (٣٥٤-٤٣٠م)٠

St.Augustine

عليه بأن الزمن” هو خاصية من خصائص عالمنا الذي خلقه الله و عليه فالوقت لم يكن له وجود قبل الخلق” . و هذا القول ، بغض النظر عن كونه صحيحا أم لا فهو شرعي حتى مع كون أوغسطين يعتقد أن بداية الكون لم يكن منذ زمن بعيد ،  كما جاء على لسان المؤلف و الذي يقول أن ” هذا أحد النماذج المحتملة، و التي يفضلها أولائك الذين يؤمنون بصدق الإنجيل حرفيا حتى مع وجود حفريات و أدلة أخرى تجعلها {أي الأرض} تبدو أكثر عمرا بكثير” . و يستطرد بأن  ” ممكن لنا أيضا أن نعتقد بنموذج مغاير بقول أن عمر الأرض ١٣،٧ بليون سنة رجوعا إلى الإنفجار الكبير. و هذا النموذج هو الذي يفسر مشاهداتنا الحالية، بما في ذلك الأدلة التاريخية و الجيولوجية، و هو أفضل عرض نملكه عن الماضي لأنه يفسر وجود الحفريات و يفسر سجل النشاط الإشعاعي {في الصخور} و يفسر حقيقة كوننا نستقبل أضواء من مجرات تبعد ملايين من السنوات الضوئية عنا، و لذا فهذا النموذج – نظرية الإنفجار الكبير- هو الأكثر إفادة لنا من ما قبله ” . و لكننا مع ذلك  ” لا نستطيع أن نقول أن أحد هذه النماذج أكثر واقعية من الأخرى” . أما عن مسألة الواقع فيما قبل الإنفجار العظيم فيقول المؤلف بأنه إستنادا علي ما مضى فإنه ” يبدو لنا بأن قوانين تطور الكون ممكن أن تتحطم  مع نظرية الإنفجار الكبير. و إذا كان ذلك صحيحا، فليس هنالك حاجة ، منطقيا، لخلق نموذج يحتوي على زمن ما قبل الإنفجار الكبير، لأن ما حدث في ذاك الوقت ، ليس له عواقب محسوسة في الوقت الحالي، و عليه نستطيع أن نقول أن الإنفجار الكبير هو في الواقع بداية خلق العالم {جوازا}٠” و هنا تتفق نظرة القديس أوغسطين مع المؤلف٠

و الآن و بعد أن بين لنا المؤلف بأن الواقع يعتمد على فرضيتنا الأولية، و النموذج اللاحق على أساس هذه الفرضية و كيف أنه في حال وجود أكثر من نظرية فذلك لا يعني أن أحدها صحيح و الآخر خطأ، يشرح و بالتفصيل عوامل التفاضل بين هذه النماذج. أي يبين ما هو الشيء الذي يجعل من نموذج ما أكثر قبولا بين الأوساط العلمية من النموذج الآخر. أو ما هو النموذج الجيد ، فيقول أن هنالك عدة عوامل للتفاضل بين النماذج . فالنموذج “هو جيد {مثلا } إذا كان : أنيق. و يحتوي على أقل ما يمكن من العناصر العشوائية أو {بالأحرى}  لا يحتوي على الكثير من العناصر القابلة { أو التي تنتظر التعديل أو } التكيف ،  و هو النموذج الذي يتفق مع ،أو يفسر، كل المشاهدات الموجودة، و يعمل تنبوءات تفصيلية عن مشاهدات مستقبلية، يمكن على أساسها قياس مدى صحته أو حتى خطئه”٠

فعلى سبيل المثال”نظرية أرسطو بأن العالم مصنوع من أربعة عناصر هي التراب و الهواء و النار و الماء، حيث يفترض أن هذه الأشياء {جميعها} مخلوقة لإستيفاء غرض معين لكل منها. هذه النظرية كانت أنيقة و لم تحتوي على الكثير من العناصر القابلة للتكيف و التعديل. و لكن في أحوال كثيرة لم تقم النظرية بعمل التنبؤات المؤكدة، و عندما فعلت ذلك، لم تتفق هذه التنبؤات مع المشاهدات الواقعية. و أحد هذه المشاهدات التي لم تتفق مع النظرية كان بسقوط الأجسام، حيث تقول النظرية أن الأجسام التي تتصف بالثقل تكون مخلوقة كذلك لأن الغرض منها هو أن تصل أسرع إلي الأرض من الأجسام الأخف عندما ترمي من الأماكن العالية، و السبب هو أن هذه الأجسام غايتها { هو ثقلها و الذي} يكمن بالسقوط (جاليليو أثبت بعد عدة قرون خطأ هذه النظرية، أي أنه أثبت أن جميع الأجسام تصل إلى الأرض بنفس الوقت بغض النظر عن ثقل وزنها)” ٠

فالأناقة، كما يقول المؤلف ” مرغوبه، مع أنها صعبة القياس… هي مرغوبة بين العلماء لأن قوانين الطبيعة من المفروض أن تضع مجموعة من الحالات المعينة بصورة إقتصادية في معادلة سهلة. و لكن الأناقة لا يقصد بها شكل النظرية أو المعادلة و حسب، و إنما أيضا كونها متعلقة بصورة كبيره مع العناصر التي لا تحتوي على الكثير من المواد المضافة للتصحيح، لأن النظرية المليئة بالعوامل الملفقة لا تكون في العادة أنيقة {كمعادلات بطليموس المعقدة مثلا مقارنة بمعادلة أينشتاين }” . و لإعادة صياغة الجملة التي صاغها أينشتاين، يقول المؤلف أن ” النظرية يجب أن تكون من أبسط ما يمكن، و لكن ليس أبسط من ذلك” . بطليموس {على سبيل المثال كان مجبورا على } إضافة الدوائر الصغيرة للمدارات الكبيرة لكي يجعل نموذجه صحيحا في تفسير حركة الكواكب. و كان من الممكن أن يكون النموذج حتى أكثر دقة بإضافة دوائر صغيرة لهذه الدوائر الصغيرة أو حتى دوائر صغيرة أخرى للمدارات {و هكذا}، مع أن هذا من شأنه أن يضيف تعقيدا إلى التعقيد على النموذج حتى لو صحح من مساره {و هنا تصبح المعادلة مشكوك في صحة إفتراضيتها الأولية}. فالعلماء ينظرون إلى النموذج الذي يتم تحويره {أو إعادة تعديلة} كي يطابق مجموعة من المشاهدات بأنه نموذج فاشل، و يمثل كاتالوج من البيانات أكثر من أن يمثل نظرية تحتوي على أي مبدأ مفيد”٠

و هذا ما يجرنا إلى العامل الثاني في التفاضل بين النظريات، ألا و هو أن تكون النظرية ” تحتوي على القليل من العناصر العشوائية أو القابلة للتعديل” لعمل التنبؤات المستقبلية . ففي الفصل الخامس يبين المؤلف كيف أن “هنالك الكثيرون من الذين يرون أن ” النموذج  الموحد” {أو النظرية الكلية الموحدة}، و الذي يفسر التداخل بين الجزيئات الإبتدائية في الطبيعة هو نموذج غير أنيق. مع أن هذا النموذج أكثر نجاحا من نموذج بطليموس بمراحل. و السبب أنه يتنبأ بوجود عدة جزيئات جديدة قبل أن يتم مشاهدتها، و يشرح نتائج الكثير من التجارب التي تمت علي مدي عقود كثيرة بصورة جدا دقيقة. و لكنها تحتوي علي دزينات من العوامل القابلة للتصحيح و التي تتطلب قيمها أن تكون ثابتة لتتطابق مع المشاهدات، بدل أن تكون متغيرات في المعادلة نفسها٠ أما العامل الثالث للتناظر فهو كون النظرية ” تتفق و تفسر كل المشاهدات الموجودة ” حسب قياسات الواقع أو المشاهد. و كذلك  مؤهل بأن “يعمل تنبؤات تفصيلية عن المشاهدات المستقبلية و التي من شأنها أن تدحض أو تؤكد النموذج”٠

و يبين هنا المؤلف كيف أن “العلماء دائما ما يكونون معجبين عندما يتم إثبات صحة تنبؤات جديدة أو مذهله لنظرياتهم. و في المقابل، عندما يكون النموذج قاصرا تكون ردة الفعل لديهم هو بالقول أن التجربة كانت خاطئة. و حتى إن لم تكن التجربة خاطئة، فهم لا يستغنون عن النموذج {بسهولة}  و لكنهم يحاولون إنقاذه من خلال عمل التحديثات عليه و الإضافات له. فالفيزيائيين معروفين بتمسكهم الشديد بمحاولات إنقاذ نظريات يعجبون بها، ألا أن قابليتهم للتحديث تختفي عندما يصل التحديث إلى درجة تصبح فيها التعديلات تبدو إصطناعية أو متعبة {حاول إينشتاين التعديل على نظرياته للوصول إلي النظرية الكلية حتى علي فراش الموت} و عليه تصبح “غير أنيقة” و لا مرغوبة٠

فعلى سبيل المثال ” في العشرينات من القرن الماضي إعتقد أغلب العلماء أن الكون ثابت {الحجم}، و في ١٩٢٩ نشر إدوين هابل مشاهداته ليرينا أن الكون {ليس ثابت الحجم} بل هو يتسع {مع الوقت}… فعند تحليل الضوء القادم من الأجرام البعيدة، إستطاع هابل أن يقيس سرعتها. و كان قد توقع أن يجد الكثير من الأجرام التي تبتعد عنا و مثلها في العدد من التي تقترب منا. و لكنه تفاجأ في كون جميعها تقريبا تبتعد عنا، و كلما كانت هذه الأجرام أبعد كلما زادت سرعتها. و عليه فهابل إستنتج أن الكون في حالة إتساع {و كل الأجسام السماوية فيه تشبه النقط على سطح بالون ينتفخ}. و لكن نظريته هذه لم تلاقي القبول لأنه  كان هنالك الآخرون و الذين كانوا متمسكين بالنماذج الأقدم، ممن حاولوا تفسير مشاهداته ضمن السياق الخاص بالكون الثابت… و هكذا إستمر العلماء و لمدة عقود بعد هابل بالتمسك بنظرية جمود أو ثبات الكون {القديمة} . و لكن النموذج الأكثر واقعيا كان هو النموذج الذي قدمه هابل و القائل بالكون المتسع أو المتمدد، و هو النموذج الذي تم الأخذ به حديثا”٠

و كذلك الحال مع نظرية نيوتن المعروفة بالكوربوسكيولار

Corpuscular theory of light

و التي يقول فيها أن الضوء عبارة عن جزيئات مادية ، هذا على الرغم مما شاهده بنفسه من التصرفات الغريبة للضوء – على إفتراض أنها جزيئات مادية- و لم يتمكن نيوتن من تفسير هذه الظاهرة  التي عرفت بخواتم نيوتن  بعد ذلك، و كما ذكر المؤلف ” فكون الضوء جزيء مادي لا يفسر هذه الخواتم،  و لكن من الممكن أن يعتد به في نظرية الموجات { أي ممكن أن نفهم ما يحدث إذا إعتبرنا الضوء موجات، حيث تمثل هذه الدوائر} ظاهرة تسمي تداخل {الموجات}”٠

Interference

فالأمواج الضوئية مثل الأمواج المائية {ممكن تصويرها بما } تحتوي عليه من مجموعات  { متكررة} من قمة و حضيض ، تمثل هذه الدوائر{سوداء و بيضاء-ناتج جبري لجمع أكثر من موجة}”. و مع ذلك أخذت نظرية نيوتن كتأكيد على النظرية الجزيئية {أي أن الضوء جزيء} في القرن التاسع عشر. و لكن في بدايات القرن العشرين بين أينشتاين أن التأثير الضوئي\الكهربي

Photoelectric effect

و هو ما يستخدم اليوم في صناعة التلفزيونات و الكامرات الرقمية ممكن أن يفسر تصرف الضوء ، بكونه اجزيء أو ذرات مادية {تقوم بالتصادم فيما بينها } فتضرب الذره جارتها الذره الأخرى لتطرد إليكترون منها {تخرج بهيئة طاقة أو بالأصح فوتون يعمل كعمل الموجات}  . و عليه فالضوء يتصرف كجزيء و كموج في ذات الوقت”٠

و ” الحالات الإزدواجية كهذه الحالة -و التي تقوم فيها نظريتين مختلفتين تماما بتفسير نفس الظاهرة- هي موافقة للحتمية المعتمدة على النموذج” كما يؤكد المؤلف” فكل نظرية بإمكانها أن تفسر خواص معينة، و لا يمكننا أن نقول عن أحدها بأنها أفضل أو أكثر واقعية من الأخرى”٠

و هذا أيضا ينطبق علي جميع القوانين التي تتحكم في العالم . و عليه يقول المؤلف بأنه كما حصل مع تصرف الفوتون الضوئي فهو وارد لجميع قوانين الطبيعة و  ” ما نستطيع أن نقوله هو أنه يبدو لنا أنه لا يوجد نمودج رياضي واحد أو نظرية معينة بإستطاعتها أن تشرح كل شيء عن الكون . بل، و كما تم الإشارة له في الفصل الإفتتاحي، فإن هنالك مجموعة متداخلة من النظريات التي ممكن الإعتداد بها و هي تلك التي تسمي نظرية-م” و هذا يتفق مع إسلوب الحتمية المعتمدة علي النموذج  في كون “كل نظرية من نظريات-م جيدة في شرح ظاهرة {معينة} و في مجال معين .  و عندما تتداخل المجالات، فجميع النظريات المعنية تتفق فيما بينها، و لذا يمكن أن نقول عنها أنها جزء من نفس النظرية. و لكن لا توجد نظرية بحد ذاتها ضمن {نظرية-م} تستطيع منفردة أن تعطينا تفسيرا لكل الظواهر في الكون- أي كل قوى الطبيعة، و الجزيئات التي تشعر بهذه القوى، و الإيطار العام من المكان و الزمان التي تحتويها٠

و مع أن هذه الحالة لا تحقق حلم الفيزيائيين التقليديين بالحصول على نظرية واحدة موحدة، فهو مقبول في إيطار الحتمية المعتمدة على النموذج” و التي يقترحها المؤلف٠

و لذا فالنظرة الحديثة للطبيعة يجب أن تعتمد على الفيزياء الكمية، كما يرى المؤلف ، “و بالأخص، طريقة فهمنا لها و التي تسمى {طريقة} التواريخ المتناوبة”٠

Alternative Histories

و هذا ما سنقوم بالتطرق إليه في البوست القادم

يتبع