الثاني من آب…بدايه النهايه

إبن اختي علي ولد في الثاني من آغسطس عام ١٩٩٠، و هو اليوم الذي دخلت فيه قواه الغزو الصدامي كالخفافيش بالليل و تفاجآنا بطائراته و دباباته التي ما زالت صورته ماثله اما عيني علي الطريق الدائري الخامس و اختي تتآلم من آلام المخاض. و اليوم علي في الثامنه عشره من عمره، و بالتو تخرج من الثانويه العامه و يستعد للدخول الي الجامعه٠

لم نحتفل بعيد ميلادك يوما في ميعاده اسوه باقرانك يا علي، فلقد كنا نكرر دائما “انه كان يوم اسود اليوم الذي ولدت به يا علي”٠ و لازالت والدتي و حتي هذا اليوم تذبح الذبائح سنويا و تدخل المطبخ وفاء لنذر نذرته علي نفسها لتكفي شر ذاك اليوم علي الكويت و علي اهلها الاحرار، علي الرغم من المرض الذي اصابها و جعلها جليسه الكرسي المتحرك٠

و طيله شهور الغزو لم نفقد الامل برجوع الكويت، و لم يقف الشعب مكتوف الايدي، فلقد كنا يد واحده في داخل البلد و خارجه، و التففنا حول اميرنا الراحل كإلتفاف الابناء حول ابيهم، نشد علي يده، و نبكي لبكائه، و قلوبنا تنادي و تردد قبل حناجرنا “الكويت حره” و ” فري كويت”. و لقد اسر منا من اسر و قتل منا من قتل، و لم نبالي علي الرغم من حزننا، فالكويت تستاهل التضحيه، و الحريه لم تكن لتاتي من غير ثمن، و زادنا ذلك اصرار علي وحدتنا. فالحضري و البدوي و السني و الشيعي و حتي المسيحي كان كالبنيان المرصوص و كالجسد الواحد، اذا اشتكي منه عضو تداعت له باقي الاعضاء بالسهر و الحمي٠

مرت ثمانيه عشره سنوات يا علي علي ميلادك الاسود، و لم ندرك ان سنه الغزو علي ما فيها من مآسي كانت بمثابه اجمل سنه بالنسبه لتعاضد الشعب و تراحمه، و ايمانه بحب الوطن و تضحيته من اجل الحريه. و لم ندرك يا علي ان السنوات العجاف كانت بإنتظارنا. فها هي الكويت اليوم مفككه باهلها، مهمله بخدماتها، مسروقه بكثره لصوصها. بل يتسارع اهلها لفرض العبوديه علي نفسهم و علي غيرهم. و يستغل الدين للمصالح الشخصيه الدنيئه، و كل هذا يحدث تحت نظر و سمع بل و اشراف القانون مع اننا كنا اكثر تنظيما بغير قانون٠

لم تكن سنه ولادتك سوداء يا علي، فلتعذرنا علي بلاهتنا و قله عقلنا، و لتسامحنا علي تقصيرنا. بل كانت البدايه لنهايه شعب حر لم يرضي المذله يوما، و لم يطآطئ راسه لاحد يوما، فبذل الغالي و الرخيص و تكبد المشقه من اجل عيون لؤلؤه الخليج، فآمسي بين ليله و ضحاها اكثر الشعوب طمعا، و اشطرهم تسولا، و اكثرهم كذبا، و اسوآهم عنجهيه و تكبرا، بل و اجلهم ناكر للجميل؛ جميل الوطن الذي فقد هويته، فاصبح ابنه غريبا، و الغريب سيدا٠

و لا عزاء للمنتحر، فقد قتلت يا كويت بيد شعبك، و الف مبروك لك يا علي علي عيد ميلادك و علي تخرجك٠ فهذا الشعب لا يستاهل الكويت بعد ان امتص دمائه و ارداه قتيلا و مشي في جنازته بالجلباب الاسود و اللحي البلاستيكيه المصطنعه، و الدمي المتحركه بغير هدف و لا تخطيط في جلباب الوطن الذي ما عاد يتحمل اي رتق جديد و لا اصلاح ترقيعي٠